للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جـ- إن هذا الإنكار تكذيب ظاهر للأحاديث الصريحة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو طعنٌ في مقام الرسالة، وكما قال ابن تيمية: والاستحلال اعتقاد أن الله لم يحرمها، وتارةً بعدم اعتقاد أن الله حرمها، وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية ولخلل في الإيمان بالرسالة ... (١).

وقد قرر العلماء أن من ردّ حديثاً صحيحاً، أو كذّبه فهو كافر.

حتى قال إسحاق بن راهويه: من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يقرّ بصحته، ثم رده بغير تقية فهو كافر (٢).

ويقول ابن بطة: لو أن رجلاً آمن بجميع ما جاءت به الرسل إلا شيئاً واحداً كان برد ذلك الشيء كافراً عند جميع العلماء (٣).

وقال ابن الوزير: إن التكذيب لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع العلم أنه حديثه كفر صريح (٤).

فإذا كان هؤلاء العلماء الأجلاء قد كفّروا من كذّب بحديثٍ واحدٍ، فكيف بحال مُنْكِر الأحاديث المتواترة؟

ويدل على ما سبق حديث البراء بن عازب رضي الله عنه حيث قال: مر بي عمي (وفي رواية: خالي) الحارث بن عمرو ومعه لواء قد عقده له رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، فسألته، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب عنق رجل تزوج امرأة أبيه (٥).

فمن المعلوم قطعاً تحريم نكاح زوجات الآباء إجماعاً، ولذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل من تزوج امرأة أبيه؛ لأنه مرتد عن الإسلام، قال تعالى: وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً [النساء:٢٢].

يقول ابن كثير - عن هذا النكاح -: فمن تعاطاه بعد هذا فقد ارتد عن دينه، فيقتل ويصير ماله فيئاً لبيت المال (٦).

ويقول ابن جرير في شرح حديث البراء: وكان الذي عرّس بزوجة أبيه متخطياً بفعله حرمتين، وجامعاً بين كبيرتين من معاصي الله، إحداهما: عقد نكاح على من حرم الله عقد النكاح عليه بنص تنزيله بقوله: وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء [النساء:٢٢]. والثانية: إتيانه فرجاً محرماً عليه إتيانه، وأعظم من ذلك تقدمه على ذلك بمشهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعلانه عقد النكاح على من حرم الله عليه عقده عليه بنص كتابه الذي لا شبهة في تحريمها عليه وهو حاضره، فكان فعله ذلك من أدل الدليل على تكذيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما آتاه به عن الله تعالى، وجحوده آية محكمة في تنزيله ... فكان بذلك من فعله حكم القتل وضرب العنق، فلذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله وضرب عنقه؛ لأن ذلك كان سنته في المرتد عن الإسلام (٧).


(١) ((الصارم المسلول)) (ص٥٢١).
(٢) ((الإحكام)) لابن حزم (١/ ٨٩).
(٣) ((الإبانة)) (ص٢١١).
(٤) ((العواصم والقواصم)) (٢/ ٣٧٤).
(٥) رواه أبو داود (٤٤٥٧)، والترمذي (١٣٦٢)، والنسائي (٦/ ١٠٩)، وابن ماجه (٢٦٠٧)، وأحمد (٤/ ٢٩٢) (١٨٦٠٢)، والحاكم (٢/ ٢٠٨). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: حديث البراء حديث حسن غريب. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وصحح إسناده عبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (٧٦٢) - كما أشار لذلك في مقدمته -. وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (٧/ ٢٨٥): أسانيده كثيرة منها ما رجاله رجال الصحيح. وقال أحمد شاكر في ((المسند)) (١/ ٤٧٩): إسناده صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(٦) ((تفسير ابن كثير)) (١/ ٤٤٤). وانظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (٢٠/ ٩١ - ٩٢).
(٧) ((تهذيب الآثار)) (٢/ ١٤٨). وانظر: ((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (٤/ ٥٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>