للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشوكاني: والحديث فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن يأمر بقتل من خالف قطعياً من قطعيات الشريعة كهذه المسألة، فإن الله تعالى يقول: وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء [النساء:٢٢]، ولكنه لا بد من حمل الحديث على أنّ ذلك الرجل الذي أمر صلى الله عليه وسلم بقتله عالم بالتحريم وفعله مستحلاً، وذلك من موجبات الكفر (١).

- أجمع العلماء على تكفير من أنكر حكماً معلوماً من الدين بالضرورة، وقد حكى هذا الإجماع عدد كثير من أهل العلم، نذكر منهم ما يلي:

يقول ابن عبد البر: وقد أجمعوا على أن مُستحل خمر العنب المسكر كافر رادٌّ على الله عز وجل خبره في كتابه، مرتد يستتاب، فإن تاب ورجع عن قوله، وإلا استبيح دمه كسائر الكفار (٢).

ويقول أيضاً: قال إسحاق بن راهويه: قد أجمع العلماء أن من سبّ الله عز وجل، أو سبّ رسوله صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئاً أنزله الله، أو قتل نبياً من أنبياء الله، وهو مع ذلك مقرٌّ بما أنزل الله، أنه كافر (٣).

ويقول القاضي عياض: وكذلك أجمع المسلمون على تكفير كل من استحل القتل، أو شرب الخمر، أو الزنا مما حرم الله، بعد علمه بتحريمه، كأصحاب الإباحة من القرامطة وبعض غلاة الصوفية.

وكذلك نقطع بتكفير كل من كذّب، وأنكر قاعدة من قواعد الشرع، وما عُرف يقيناً بالنقل المتواتر من فعل الرسول، ووقع الإجماع المتَّصل عليه، كمن أنكر وجوب الخمس الصلوات ... وكذلك أجمع المسلمون على تكفير من قال من الخوارج: إن الصلاة طرفي النهار (٤).

ويقول ابن حزم: واتفقوا أن من آمن بالله تعالى، وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وبكل ما أتى به عليه السلام، مما نقل عنه نقل الكافة، وشك في التوحيد، أو في النبوة، أو في محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أو في حرفٍ مما أتى به عليه السلام، أو في الشريعة التي أتى بها عليه السلام، مما نقل عنه نقل الكافة، فإن من جحد شيئاً مما ذكرناه، أو شك في شيءٍ منه، ومات على ذلك، فإنه كافر مشرك مخلد في النار أبداً (٥).

ويقول أيضاً: ولا خلاف بين اثنين من الأمة كلها أن من كفر بالصلاة، أو بالزكاة، أو بالحج، أو بالعمرة، أو بشيءٍ مما أجمع المسلمون عليه على أن الله تعالى بيّنه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ونصّ عليه من أعمال الشريعة فإنه كافر، حابط العمل (٦).

ويورد أبو يعلى هذا الإجماع بقوله: ومن اعتقد تحليل ما حرم الله بالنص الصريح من الله، أو من رسوله، أو أجمع المسلمون على تحريمه فهو كافر، كمن أباح شرب الخمر، ومنع الصلاة والصيام والزكاة، وكذلك من اعتقد تحريم شيء حلله الله وأباحه بالنص الصريح، أو أباحه رسوله، أو المسلمون مع العلم بذلك فهو كافر كمن حرم النكاح والبيع والشراء على الوجه الذي أباحه الله عز وجل، والوجه فيه أن في ذلك تكذيباً لله تعالى، ولرسوله في خبره، وتكذيباً للمسلمين في خبرهم، ومن فعل ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين (٧).

ويحكي ابن قدامة الإجماع في هذه المسألة فيقول: ومن اعتقد حلّ شيء أُجمع على تحريمه، وظهر حكمه بين المسلمين، وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة كلحم الخنزير، والزنا وأشباه هذا مما لا خلاف فيه كفر ... وإن استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل فكذلك (يعني يكون كافراً) (٨).


(١) ((نيل الأوطار)) (٨/ ٣٢٢).
(٢) ((التمهيد)) (١/ ١٤٢ - ١٤٣).
(٣) ((التمهيد)) (٤/ ٢٢٦).
(٤) ((الشفا)) (٢/ ١٠٧٣).
(٥) ((مراتب الإجماع)) (ص١٧٧).
(٦) ((الدرة فيما يجب اعتقاده)) (ص٣٣٧).
(٧) ((المعتمد في أصول الدين)) (ص٢٧١ - ٢٧٢).
(٨) ((المغني)) (٨/ ١٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>