للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاء في (الفتاوى البزازية): من اعتقد الحلال حراماً، أو على العكس يكفر (١).

وقد ساق محمد بن إسماعيل الرشيد الحنفي ألفاظاً كثيرة من كتب الأحناف تتضمن هذا الإنكار، فمن ذلك قوله: وفي الظهيرية: ومن قيل له: كُلْ من الحلال، فقال: الحرام أحبّ إليَّ كفر، أو قال: يجوز لي الحرام كفر.

وفي الجواهر: من قال: ليت الخمر أو الزنا، أو الظلم، أو قتل الناس كان حلالاً كفر، ومن أنكر حرمة الحرام المجمع على حرمته، أو شك فيهما كالخمر والزنا واللواطة والربا، أو زعم أن الصغائر والكبائر حلال كفر.

وفي اليتيمية: من قال بعد استيقانه بحرمة شيء أو بحرمة أمر: هذا حلال كفر، ومن أجاز بيع الخمر كفر (٢).

وذكر الدردير أنه يكفر إذا أنكر مجمعاً عليه كوجوب الصلاة أو تحريم الزنا، أو حلّ مجمع على عدم إباحته، مما علم من الدين ضرورة بكتاب الله تعالى، أو سنة متواترة، فلا يكفر بإنكار إعطاء السدس لبنت الابن مع البنت وإن كان مجمعاً عليه لعدم علمه بالضرورة، ولا بإنكار خلافة علي رضي الله عنه ونحوه، أو وجود بغداد؛ لأنه ليس من الدين، ولا يتضمن تكذيب قرآن (٣).

وقيد النووي الكلام السابق - كما مضى ذكره مفصلاً (٤) - فذكر أن من جحد مجمعاً عليه معلوم من دين الإسلام ضرورة فهو يكفر إن كان فيه نص.

وذكر الشربيني أن من حلل محرماً بالإجماع كفر، كمن استحل الزنا واللواط والظلم وشرب الخمر، ومن هذا لو اعتقد حقّيّة المكس، مع حرمة تسميته حقاً. ويكفر - كما قرر الشربيني - فيما لو حرم حلالاً بالإجماع كالبيع والنكاح، أو نفى وجوب مجمع عليه كوجوب ركعة من الصلوات الخمس، كما يكفر إذا اعتقد وجوب ما ليس بواجب بالإجماع كزيادة ركعة من الصلاة المفروضة، أو وجوب صوم يوم من شوال (٥).

ثم قال الشربيني: لو قال أو نفى مشروعية مُجْمَعٍ عليه، لشمل إنكار المجمع على ندبه، فقد صرح البغوي في تعليقه: بتكفير من أنكر مجمعاً على مشروعيته من السنن كالرواتب وصلاة العيدين، وهو لأجل تكذيب التواتر ... (٦).

وقال عميرة: ويكفر إذا حلل محرماً بالإجماع لحديث معاوية بن قرة عن أبيه: ((أنه صلى الله عليه وسلم بعث أباه إلى رجل عرس بامرأة أبيه فضرب عنقه، وأصفي ماله)) (٧)، وحمل هذا على أنه استحلّ ذلك، ويكفر إذا نفى وجوب مجمع عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: ((والتارك لدينه المفارق للجماعة)) (٨)، (٩).

وقال قليوبي: ويكفر إذا حلل محرماً بإجماع الأئمة الأربعة - وكذا العكس -، ولابد من كونه معلوماً بالضرورة فخرج إنكار أنّ لبنت الابن السدس مع بنت الصلب، فلا يكفر به ولو من عالم به خلافاً لبعضهم ... (١٠).


(١) ((الفتاوى البزازية)) (٣/ ٣٢١).
(٢) ((تهذيب رسالة البدر الرشيد)) (ص٤٥، ٤٦) باختصار.
(٣) ((الشرح الصغير)) (٦/ ١٤٨ - ١٤٩). وانظر: ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (٤/ ٣٠٣)، و ((بلغة السالك)) للصاوي (٢/ ٤١٨)، و ((الخرشي على مختصر خليل)) (٧/ ٦٥).
(٤) ((روضة الطالبين)) (١٠/ ٦٤) بتصرف يسير.
(٥) انظر: ((روضة الطالبين)) (١٠/ ٦٥).
(٦) ((مغني المحتاج)) (٤/ ١٣٦). وانظر: ((نهاية المحتاج)) للرملي (٧/ ٤١٥، ٤١٦).
(٧) رواه ابن ماجه (٢٦٠٨)، والبيهقي (٦/ ٢٩٥)، والطبراني (١٩/ ٢٤). قال البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (٣/ ١١٦): هذا إسنادٌ صحيح رجاله ثقات. وقال ابن حجر في ((الإصابة)) (١/ ٥٧): إسناده حسن. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): حسن صحيح.
(٨) رواه البخاري (٦٨٧٨)، ومسلم (١٦٧٦)، واللفظ له. من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(٩) ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (٤/ ١٧٥) بتصرف.
(١٠) ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (٤/ ١٧٥) بتصرف يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>