للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبقت الإشارة إلى تعريفه عند الكلام عن أنواع النفاق، ويمكن اختصار تعريفه، بتعريف ذكره الحافظ ابن رجب حيث قال رحمه الله: النفاق الأكبر وهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه، وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم، وأخبر أنهم في الدرك الأسفل من النار (١)، ومن الآيات في تكفيرهم، ومصيرهم في الآخرة، قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:٨]، وقوله عز وجل: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [النساء:١٣٨]، وقوله سبحانه: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:١٤٥]، وقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا [التوبة:٦٨]، وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا [التوبة:٧٣ - ٧٤]، وقوله عن طائفة من المنافقين من أسوأ أنواع الكفار، ومصيرهم في الآخرة في الدرك الأسفل من النار، لأنهم زادوا على كفرهم، الكذب والمراوغة والخداع للمؤمنين، ولذلك فصّل القرآن الحديث حولهم وحول صفاتهم لكي لا يقع المؤمنون في حبائلهم وخداعهم.

صور النفاق الأكبر:

ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعض هذه الصور فقال: فمن النفاق ما هو أكبر، ويكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار، كنفاق عبدالله بن أُبي وغيره، بأن يظهر تكذيب الرسول أو جحود بعض ما جاء به، أو بغضه، أو عدم اعتقاد وجوب اتباعه، أو المسرّة بانخفاض دينه، أو المساءة بظهور دينه، ونحو ذلك: مما لا يكون صاحبه إلا عدواً لله ورسوله، وهذا القدر كان موجوداً في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومازال بعده، بل هو أكثر منه على عهده ... (٢).

وقال في موضع آخر: (فأما النفاق المحض الذي لا ريب في كفر صاحبه، فإنه لا يرى وجوب تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به، ولا وجوب طاعته فيما أمر به، وإن اعتقد مع ذلك أن الرسول عظيم القدر- علماً وعملاً- وأنه يجوز تصديقه وطاعته لكنه يقول: إنه لا يضر اختلاف الملل إذا كان المعبود واحداً، ويرى أنه تحصيل النجاة والسعادة بمتابعة الرسول وبغير متابعته، إما بطريق الفلسفة والصبو، أو بطريق التهود والتنصر ... ) (٣).

ونقل هذه الأنواع الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله فقال: ... فأما النفاق الاعتقادي فهو ستة أنواع، تكذيب الرسول، أو تكذيب بعض ما جاء به الرسول، أو بغض الرسول أبو بغض ما جاء به الرسول، أو المسرة بانخفاض دين الرسول، أو الكراهية بانتصار دين الرسول، فهذه الأنواع الستة صاحبها من أهل الدرك الأسفل من النار (٤) فيتحصل مما ذكره هذان الإمامان - بعد دمج الأنواع المتشابهة أو المتقاربة - خمس صفات أو أنواع وهي:

١ - تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو تكذيب بعض ما جاء به.

٢ - بغض الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بغض ما جاء به.

٣ - المسرّة بانخفاض دين الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الكراهية بانتصار دين الرسول صلى الله عليه وسلم.

٤ - عدم اعتقاد وجوب تصديقه فيما أخبر.

٥ - عدم اعتقاد وجوب طاعته فيما أمر.

وبالنظر إلى الآيات التي ذكرت أحوال المنافقين، وكلام المفسرين حولها، يمكن أن يضاف إلى هذه الصفات صفات أخرى وهي:

٦ - أذى الرسول صلى الله عليه وسلم أو عيبه ولمزه.

٧ - مظاهرة الكافرين ومناصرتهم على المؤمنين.

٨ - الاستهزاء والسخرية بالمؤمنين لأجل إيمانهم وطاعتهم لله ولرسوله.

٩ - التولي والإعراض عن حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم.

فالوقوع في أي صفة من هذه الصفات يخرج من الملة، وهذه الصفات أكثرها متعلق بحق الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: ... فالنفاق يقع كثيراً في حق الرسول، وهو أكثر ما ذكره الله في القرآن من نفاق المنافقين في حياته ... (٥). نواقض الإيمان الاعتقادية لمحمد بن عبدالله بن علي الوهيبي – ص: ٢٥٣


(١) ((جامع العلوم والحكم)) (ص٤٠٣).
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (٢٨/ ٤٣٤).
(٣) ((الإيمان الأوسط)) (ص١٨٠).
(٤) ((مجموعة التوحيد)) (ص٧).
(٥) ((الإيمان الأوسط)) (ص١٨١)، وانظر: ((الإيمان)) (ص٢٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>