للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يخلط البعض بين مسألة تولي الكفار ومظاهرتهم، وبين مسألة الاستعانة بهم في قتال الكفار ... فالمسألة الأولى خروج عن الملة، ومحاربة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومفارقة لسبيل المؤمنين، يقول الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ عن ذلك: وأكبر ذنب وأضله وأعظمه منافاة لأصل الإسلام؛ نصرة أعداء الله ومعاونتهم، والسعي فيما يظهر به دينهم، وما هم عليه من التعطيل والشرك والموبقات العظام (١).

وأما مسألة الاستعانة بهم في قتال كفار آخرين ... فهي مسألة خلافية بين أهل العلم، فهناك من منعها، وهناك من أجازها بشروط كأن يحتاج إليهم، وتؤمن خيانتهم، وأن لا يكونوا أصحاب صولة وشوكة ... إلخ (٢)، وأما الاستعانة بالكفار على بغاة المسلمين فهذه ممنوعة عند جماهير علماء الإسلام (٣).

ونورد كلاماً لابن حزم في هذه القضية حيث يقول: قد علمنا أن من خرج عن دار الإسلام إلى دار الحرب، فقد أبق عن الله تعالى، وعن إمام المسلمين وجماعتهم، ويبين هذا حديثه صلى الله عليه وسلم أنه برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين (٤)، وهو عليه السلام لا يبرأ إلا من كافر (٥)، قال تعالى: - وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ [التوبة:٧١].

فصح بهذا أن من لحق بدار الكفر والحرب مختاراً محارباً لمن يليه من المسلمين، فهو بهذا الفعل مرتد له أحكام المرتد كلها، من وجوب القتل عليه، متى قدر عليه ومن إباحة ماله، وانفساخ نكاحه وغير ذلك؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبرأ من مسلم. وأما من فرّ إلى أرض الحرب لظلم خافه، ولم يحارب المسلمين، ولا أعانهم عليه ولم يجد في المسلمين من يجيره، فهذا لا شيء عليه؛ لأنه مضطر مكره (٦). - إلى أن قال - وأما من حملته الحمية من أهل الثغر من المسلمين فاستعان بالمشركين الحربيين، وأطلق أيديهم على قتل من خالفه من المسلمين، أو على أخذ أموالهم أو سبيهم، فإن كانت يده هي الغالبة وكان الكفار له كأتباع فهو هالك في غاية الفسوق، ولا يكون بذلك كافراً؛ لأنه لم يأت شيئاً أوجب به عليه كفراً: قرآن أو إجماع، وإن كان حكم الكفار جارياً عليه فهو بذلك كافر، فإن كانا متساويين لا يجري حكم أحدهما على الآخر فما نراه بذلك كافراً والله أعلم (٧).

٤ - والآن نورد جملة من الاعتبارات التي تجعل مظاهرة الكفار على المسلمين ناقضاً من نواقض الإيمان:

أ- يقول الله تعالى: وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:٥١].


(١) ((مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)) (٣/ ٥٧).
(٢) انظر: ((مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)) (٣/ ٦٦, ٦٧)، وكتاب: ((الاستعانة بغير المسلمين)) لعبدالله الطريقي (ص٢٦٢ - ٢٧١).
(٣) انظر: كتاب: ((الاستعانة بغير المسلمين)) لعبدالله الطريقي (ص٢٧٢ - ٢٧٤).
(٤) الحديث: رواه أبو داود (٢٦٤٥)، والترمذي (١٦٠٤). من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه. قال البخاري في ((البدر المنير)) (٩/ ١٦٣): الصحيح أنه مرسل. وقال ابن حزم في ((المحلى)) (١٠/ ٣٦٩): صحيح. وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (٢/ ٢٩٨): إسناده صحيح. وقال ابن دقيق العيد في ((الإلمام)) (٢/ ٤٥٤): صحيح على طريقة بعض أهل الحديث - كما اشترط على نفسه في المقدمة -. وحسنه ابن حجر في ((هداية الرواة)) (٣/ ٤٠٨) –كما أشار لذلك في مقدمته -. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(٥) مراد ابن حزم - هاهنا -: أن يلحق المسلم بدار الحرب مختاراً محارباً. انظر للمزيد من التوضيح: ((المحلى)) (١٣/ ١٤٠).
(٦) ((المحلى)) (١٣/ ١٣٨، ١٣٩).
(٧) ((المحلى)) (١٣/ ١٤٠، ١٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>