للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبين الله تعالى أن من فعل ذلك فهو منهم أي: من أهل دينهم وملتهم، فله حكمهم.

يقول الطبري في تفسير هذه الآية: من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متولٍّ أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه ورضي دينه، فقد عادى ما خالفه وسخطه، وصار حكمه حكمه (١).

ويقول الطبري في تفسيرها: قوله تعالى: وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فإنه أي يعضدهم على المسلمين فَإِنَّهُ مِنْهُمْ بيّن أن حكمه حكمهم، وهو يمنع إثبات الميراث للمسلم من المرتد، وكان الذي تولاهم ابن أُبي، ثم هذا الحكم باقٍ إلى يوم القيامة في قطع الموالاة (٢).

ويقول ابن حزم: صحّ أن قوله تعالى وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:٥١]، إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار فقط، وهذا حقّ لا يختلف فيه اثنان من المسلمين (٣).

ويقول القاسمي في تفسيره: فَإِنَّهُ مِنْهُمْ: أي جملتهم، وحكمه حكمهم، وإن زعم أنه مخالف لهم في الدين، فهو بدلالة الحال منهم لدلالتها على كمال الموافقة (٤).

إضافة إلى ذلك فإن الله تعالى ذكر بعد هذه الآية، قوله سبحانه: إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:٥١].

وفي آية أخرى يقول عز وجل: وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [التوبة:٢٣]، والظلم إذا أطلق يراد به الشرك الأكبر (٥)، فدلّ هذا على أن مظاهرة الكفار على المسلمين خروج عن الملة.

ب- ولا ريب أن مظاهرة الكفار على المسلمين تناقض الإيمان، وتنافيه بالكلية، فمثل هذه الموالاة تتضمن بغضاً لدين الله تعالى، وحرباً لعباد الله الصالحين، ونصرة للكفار ... ولا شك أن الإيمان لا يمكن أن يجتمع مع هذه الموالاة كما قال تعالى: تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة:٨٠ - ٨١]

فبيّن سبحانه وتعالى أن الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه مستلزم لعدم ولايتهم، فثبوت ولايتهم يوجب عدم الإيمان؛ لأن عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم، كما سجل على من تولى الكافرين بالمذمّة وحلول السخط عليهم والخلود في العذاب (٦).

يقول ابن تيمية عن هذه الآيات: فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف (لو) التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط، فقال: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودلّ ذلك على أن من اتخذهم أولياء ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله وما أنزل إليه.


(١) ((تفسير الطبري)) (٦/ ١٦٠).
(٢) ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (٦/ ٢١٧). وانظر: ((تفسير البيضاوي)) (١/ ٢٧٩)، و ((تفسير الشوكاني)) (٢/ ٥٠).
(٣) ((المحلى)) (١٣/ ٣٥).
(٤) ((تفسير القاسمي)) (٦/ ٢٤٠).
(٥) انظر: ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (٢/ ٧٨).
(٦) انظر: ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (١/ ٤٩٠)، و ((الدرر السنية)) (٧/ ٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>