للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثله قوله تعالى: لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:٥١]، فإنه أخبر في تلك الآيات أن متوليهم لا يكون مؤمناً، وأخبر هنا أن متوليهم هم منهم، والقرآن يصدق بعضه بعضاً (١).

ويقول الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب في ذلك: قوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:٢٢].

أخبر تعالى أنك لا تجد من يؤمن بالله واليوم الآخر يوادون من حادّ الله ورسوله، ولو كان أقرب قريب، وأن هذا منافٍ للإيمان مضاد له، لا يجتمع هو والإيمان إلا كما يجتمع الماء والنار (٢).

جـ- جاء النص القرآني مقرراً براءة الله تعالى ممن ظاهر الكفار، فقال تعالى: لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:٢٨].

ويقول البيضاوي عند هذه الآية: وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ (أي اتخاذهم أولياء) فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ أي من ولايته في شيءٍ يصح أن يُسمى ولاية، فإن موالاة المتعادييْن لا يجتمعان (٣).

ويقول الشوكاني في تفسير هذه الآية: قوله: لاَّ يَتَّخِذِ فيه النهي عن موالاة الكفار لسبب من الأسباب ... وقوله: مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ في محل الحال: أي متجاوزين المؤمنين إلى الكافرين استقلالاً أو اشتراكاً ... ومعنى قوله: فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ أي: من ولايته في شيءٍ من الأشياء، بل هو منسلخ عنه بكل حال (٤).

د- إن مظاهرة أعداء الله تعالى كفر نفاق، وقد حكم الله تعالى بذلك في قوله عز وجل: - فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ [النساء:٨٨ - ٨٩].

وذلك أن قوماً كانوا بمكة قد تكلموا بالإسلام، وكانوا يظاهرون المشركين فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم، فقالوا: إن لقينا أصحاب محمد عليه السلام فليس علينا منهم بأس، وأن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة قالت فئة من المؤمنين: اركبوا إلى الخبثاء فاقتلوهم، فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم، وقالت فئة أخرى من المؤمنين: سبحان الله أو كما قالوا تقتلون قوماً قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به من أجل أنهم لم يهاجروا، ويتركوا ديارهم، تستحل دماؤهم وأموالهم لذلك، فكانوا كذلك فئتين ... فنزلت الآية تقرر نفاقهم وكفرهم وأن الله تعالى أركسهم أي ردهم إلى أحكام أهل الشرك في إباحة دمائهم وسبي ذراريهم (٥).


(١) ((الإيمان)) (ص: ١٣، ١٤)، وانظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (٧/ ١٧, ٥٤٢).
(٢) ((تفسير البيضاوي)) (١/ ١٥٥)، وانظر: ((تفسير ابن كثير)) (١/ ٣٥٧).
(٣) ((الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك)) (ص٥٦)، وانظر: (ص٣٩).
(٤) ((فتح القدير)) (١/ ٣٣١). وانظر: ((رسالة أوثق عرى الإيمان)) (ص٢٨)، و ((الدلائل)) (ص٣٢) كلاهما للشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب.
(٥) انظر: تفصيل ذلك: في ((تفسير الطبري)) (٥/ ١١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>