للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن مظاهرة الكفار على المسلمين خصلة من خصال المنافقين، وشعبة من شعب النفاق، كما جاء بيان ذلك في كثير من نصوص القرآن الكريم.

قال تعالى: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا [النساء:١٣٨ - ١٣٩].

وقال سبحانه: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [المجادلة:١٤ - ١٥].

وقال عز وجل: أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الحشر:١١].

وقال سبحانه: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ [المائدة:٥٢].

يقول ابن جرير في تفسير الآية الأخيرة: هذا خبر عن ناس من المنافقين كانوا يوالون اليهود والنصارى، ويغشون المؤمنين، ويقولون: نخشى أن تدور دوائر إما لليهود والنصارى، وإما لأهل الشرك من عبدة الأوثان، أو غيرهم على أهل الإسلام، أو تنزل بهؤلاء المنافقين فيكون بنا إليهم حاجة، وقد يجوز أن يكون ذلك كان من قول عبدالله بن أُبي، ويجوز أن يكون كان من قول غيره، غير أنه لا شك أنه من قول المنافقين (١).

وسُئل الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب عمن أظهر علامات النفاق ممن يدعي الإسلام، هل يقال عنه أنه منافق أم لا؟

فأجاب رحمه الله: من ظهرت منه علامات النفاق الدّالة عليه كارتداده عند التحزيب على المؤمنين وخذلانهم عند اجتماع العدو، كالذين قالوا: لو نعلم قتالاً لاتبعناكم. وكونه إذا غلب المشركون التجأ إليهم، ومدحه للمشركين بعض الأحيان، وموالاتهم من دون المؤمنين، وأشباه هذه العلامات التي ذكر الله أنها علامات للنفاق، وصفات للمنافقين، فإنه يجوز إطلاق النفاق عليه وتسميته منافقاً ... (٢) ...

يقول ابن تيمية: فمن قفز منهم إلى التتار كان أحق بالقتال من كثير من التتار، فإن التتار فيهم المكره وغير المكره، وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلي من وجوه متعددة (٣).

يقول ابن القيم: إنه سبحانه قد حكم، ولا أحسن من حكمه أنّ من تولّى اليهود والنصارى فهو منهم وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:٥١]؛ فإذا كان أولياؤهم منهم بنص القرآن كان لهم حكمهم (٤).

وذكر الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله مظاهرة الكفار ضد المسلمين ضمن نواقض الإسلام، فقال:

الناقض الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:٥١] (٥).


(١) ((تفسير الطبري)) (٦/ ١٦١).
(٢) ((الدرر السنية)) (٧/ ٧٩، ٨٠).
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (٢٨/ ٥٣٤)، وانظر: (٢٨/ ٥٣٠، ٥٣١)، و ((مختصر الفتاوى المصرية)) (ص٥٠٧، ٥٠٨)، و ((مجموعة الرسائل والمسائل)) (١/ ٤١ - ٤٣).
(٤) ((أحكام أهل الذمة)) (١/ ٦٧).
(٥) ((مجموعة التوحيد)) (ص٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>