للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول ابن تيمية رحمه الله: (ذكر غير واحد من العلماء اتفاق الناس على أن من قذفها بما برأها الله تعالى منه فقد كفر؛ لأنه مكذب للقرآن) (١).

ويقول ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لقوله تعالى: - إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النور: ٢٣]: -

(وقد أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية فإنه كافر؛ لأنه معاند للقرآن) (٢).

وأما من قذف سائر أمهات المؤمنين، فهل يكفر من قذفهن أم لا؟ على قولين أصحهما أنه يكفر.

والقول الآخر أنه لا يكفر، وقالوا: إن القرآن قد شهد ببراءة عائشة رضي الله عنها، فمن خالف ذلك وأنكره، فهو مكذب للقرآن، ومن ثم فهو كافر بالله تعالى، ولم يرد مثل هذا في بقية أمهات المؤمنين.

والجواب عن ذلك أن يقال: (المقذوفة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى إنما غضب لها؛ لأنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي وغيرها منهن سواء) (٣).

كما أن جميع أمهات المؤمنين فراش للنبي صلى الله عليه وسلم، والوقيعة في أعراضهن تنقص ومسبة للنبي صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن سب المصطفى صلى الله عليه وسلم كفر وخروج عن الملة بالإجماع (٤).

وقد اختار القول الأول جمع من المحققين، كابن حزم (٥)، والقاضي عياض (٦)، وابن تيمية (٧)، والسبكي (٨) وغيرهم.

ويقول ابن تيمية: (والأصح أن من قذف واحدة من أمهات المؤمنين فهو كقذف عائشة رضي الله عنها؛ لأن هذا منه عار وغضاضة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأذى له أعظم من أذاه بنكاحهن) (٩).

ويدل على هذا قوله تعالى: - إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النور: ٢٣].

فهذه الآية الكريمة في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة، في قول كثير من أهل العلم كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه الآية إنما نزلت فيمن يقذف عائشة وأمهات المؤمنين.

وكذا روي عن أبي الجوزاء، والضحاك، والكلبي وغيرهم) (١٠).

يقول ابن تيمية عن هذه الآية: (لما كان رمي أمهات المؤمنين أذى للنبي صلى الله عليه وسلم، فلعن صاحبه في الدنيا والآخرة، ولهذا قال ابن عباس: - ليس له توبة؛ لأن مؤذي النبي صلى الله عليه وسلم لا تقبل توبته إذا تاب من القذف حتى يسلم إسلاماً جديداً، وعلى هذا فرميهن نفاق مبيح للدم إذا قصد به أذى النبي صلى الله عليه وسلم، أو أذاهن بعد العلم بأنهن أزواجه في الآخرة) (١١).

ومما قاله أبو السعود في تفسير هذه الآية:


(١) [١٠٦٠٧])) ((الرد على البكري)) (ص: ٣٤٠).
(٢) [١٠٦٠٨])) ((تفسير ابن كثير)) (٣/ ٢٦٧)، وقد حكى ابن كثير هذا الإجماع أيضاً في ((البداية)) (٨/ ٩٢)، وانظر ((مجموعة رسائل ابن عابدين)) (١/ ٣٤٥).
(٣) [١٠٦٠٩])) انظر ((البداية)) لابن كثير (٨/ ٩٢)
(٤) [١٠٦١٠])) انظر ((فتاوى السبكي)) (٢/ ٥٩٢)، و ((طرح التثريب)) للعراقي (٨/ ٦٩).
(٥) [١٠٦١١])) انظر ((المحلى)) (١٣/ ٥٠٤).
(٦) [١٠٦١٢])) انظر ((الشفا)) (٢/ ١١١٣).
(٧) [١٠٦١٣])) انظر ((الصارم المسلول)) (ص ٥٦٧).
(٨) [١٠٦١٤])) انظر ((فتاوى السبكي)) (٢/ ٥٩٢).
(٩) [١٠٦١٥])) ((الصارم المسلول)) (ص ٥٦٧)
(١٠) [١٠٦١٦])) انظر ((تفسير الطبري)) (١٨/ ٧٤)، و ((تفسيرابن كثير)) (٣/ ٢٦٨)، و ((الدر المنثور)) للسيوطي (٦/ ١٦٤).
(١١) [١٠٦١٧])) ((الصارم المسلول)) (ص٤٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>