للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوضح ذلك ما قاله السبكي: (فيتلخص أن سب أبي بكر رضي الله عنه على مذهب أبي حنيفة وأحد الوجهين عند الشافعية كفر، وأما مالك فالمشهور أنه أوجب الجلد، فيقتضي أنه ليس كفراً، ولم أر عنده خلاف ذلك، إلا في الخوارج فتخرج عنه أنه كفر، فتكون المسألة عنده على حالتين: إن اقتصر على السب من غير تكفير لم يكفر، وإن كفر كفر) (١).

ويقول أيضاً: (القائل بأن الساب لا يكفر لم نتحقق منه أن يطرده فيمن يكفر أعلام الصحابة رضوان الله عليهم، فأحد الوجهين عندنا إنما اقتصرنا على مجرد السب دون التكفير، وكذلك أحمد إنما جبن عن قتل من لم يصدر منه إلا السب) (٢).

وإذا تقرر نوعا السب والطعن في حق الصحابة رضي الله عنهم، فإن من أنواع السب ما لا يمكن القطع بإلحاقه في أحد النوعين السابقين، بل يكون محل تردد، وهذا النوع هو ما قال عنه ابن تيمية:-

(وأما من لعن وقبح مطلقاً، فهذا محل الخلاف فيهم، لتردد الأمر بين لعن الغيظ ولعن الاعتقاد) (٣).

من قذف إحدى أمهات المؤمنين، فإن كانت عائشة رضي الله عنها فهو كافر بالإجماع ومن قذف غيرها من أمهات المؤمنين فهو أيضاً كافر على أصح الأقوال.

وبيان ذلك أن قذف عائشة رضي الله عنها تكذيب ومعاندة للقرآن، فإن أهل الإفك رموا عائشة المطهرة بالفاحشة فبرأها الله، فكل من سبها بما برأها الله منه فهو مكذب لله تعالى.

قال تعالى: - يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [النور: ١٧].

كما قال الإمام مالك: (من سب عائشة قتل، قيل له: لم؟ قال: من رماها فقد خالف القرآن) (٤).

قال ابن حزم معلقاً على مقالة مالك: (قول مالك هاهنا صحيح، وهي ردة تامة، وتكذيب لله تعالى في قطعه ببراءتها) (٥).

وذكر ابن بطة عائشة رضي الله عنها، وأنها: (مبرأة طاهرة خيرة فاضلة وصاحبته في الجنة، وهي أم المؤمنين في الدنيا والآخرة، فمن شك في ذلك، أو طعن فيه، أو توقف عنه، فقد كذب بكتاب الله، وشك فيما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزعم أنه من عند غير الله عز وجل، قال الله تعالى: - يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [النور: ١٧]، فمن أنكر هذا فقد برئ من الإيمان) (٦).

إضافة إلى ذلك، فإن قذف عائشة رضي الله عنها يعد تنقصاً للرسول صلى الله عليه وسلم وإيذاء له، ولذا قال السبكي: (وأما الوقيعة في عائشة رضي الله عنها والعياذ بالله فموجبة للقتل لأمرين:-

أحدهما: أن القرآن الكريم يشهد ببراءتها، فتكذيبه كفر، والوقيعة فيها تكذيب له.

الثاني: أنها فراش النبي صلى الله عليه وسلم، والوقيعة فيها تنقيص له، وتنقيصه كفر) (٧).

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: (من قذف عائشة بالفاحشة ... فقد جاء بكذب ظاهر واكتسب الإثم، واستحق العذاب، وظن بالمؤمنين سوءاً وهو كاذب، وأتى بأمر ظنه هيناً وهو عند الله عظيم، واتهم أهل بيت النبوة بالسوء، ومن هذا الاتهام يلزم نقص النبي صلى الله عليه وسلم) (٨).

إضافة إلى ذلك، فقد أجمع العلماء على أن من قذفها بما برأها الله تعالى منه فهو كافر.


(١) [١٠٥٩٩])) ((فتاوى السبكي)) (٢/ ٥٩٠).
(٢) [١٠٦٠٠])) ((فتاوى السبكي)) (٢/ ٥٩٠).
(٣) [١٠٦٠١])) ((الصارم المسلول)) (ص ٥٨٦)، وانظر ((فتاوى السبكي)) (٢/ ٥٧٩).
(٤) [١٠٦٠٢])) انظر ((الشفا)) (٢/ ١١٠٩).
(٥) [١٠٦٠٣])) ((المحلى)) (١٣/ ٥٠٤).
(٦) [١٠٦٠٤])) ((الإبانة الصغرى)) (ص: ٢٧٠).
(٧) [١٠٦٠٥])) ((فتاوى السبكي)) (٢/ ٥٩٢).
(٨) [١٠٦٠٦])) ((الرد على الرافضة)) (ص: ٢٤) بتصرف يسير

<<  <  ج: ص:  >  >>