للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وأما بيع عائشة الجارية ولم تأمر بقتلها، فيشبه أن تكون لم تعرف ما السحر فباعتها؛ لأن لها بيعها عندنا، وإن لم تسحرها، ولو أقرت عند عائشة أن السحر شرك، ما تركت قتلها إن لم تتب، أو دفعتها إلى الإمام ليقتلها) (١).

(هـ) أن السحر الذي يعد كفراً يتضمن أنواعاً كثيرة من المكفرات الاعتقادية والقولية والعملية، كأن يعتقد نفع الشياطين وضررهم بغير إذن الله تعالى، أو يعتقد أن الكواكب مدبرةً لأمر العالم، أو ينطق بكلمة الكفر كسب الله تعالى، أو الاستهزاء برسوله صلى الله عليه وسلم.

كما يتضمن هذا السحر شركاً في توحيد العبادة، فمن ذلك أن يدعو غير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو يستعيذ بالشياطين أو يذبح لهم، أو يتقرب إليهم بالنذور.

وقد أورد القرافي أمثلة للكفر التي يتضمنها هذا السحر فقال: -

(هذه الأنواع قد تقع بلفظ هو كفر، أو اعتقاد هو كفر، أو فعل هو كفر، فالأول كالسب المتعلق بمن سبه كفر، والثاني كاعتقاد انفراد الكواكب أو بعضها بالربوبية، والثالث كإهانة ما أوجب الله تعالى تعظيمه من الكتاب العزيز وغيره، فهذه الثلاثة متى وقع شيء منها في السحر، فذلك السحر كفر لا مرية فيه) (٢).

ويذكر ابن حجر الهيتمي أنواعاً من الكفر تندرج في هذا السحر فيقول:-

(إن اشتمل (السحر) على عبادة مخلوق كشمس، أو قمر، أو كوكب أو غيرها، أو السجود له، أو تعظيمه كما يعظم الله تعالى، أو اعتقاد أن له تأثيراً بذاته، أو تنقيص نبي، أو ملك ... كان كفراً وردة) (٣).

ويبين الشيخ السعدي وجه إدخال السحر في الشرك قائلاً: -

(السحر يدخل في الشرك من جهتين: - من جهة ما فيه من استخدام الشياطين ومن التعلق بهم، وربما تقرب إليهم بما يحبون ليقوموا بخدمته ومطلوبه، ومن جهة ما فيه من دعوى علم الغيب، ودعوى مشاركة الله في علمه وسلوك الطرق المفضية إلى ذلك، وذلك من شعب الشرك والكفر) (٤).

٥ - واستكمالاً لهذا المبحث نورد جملة من كلام العلماء في معنى السحر وحكمه. يقول الخطابي: (والسحر من عمل الشيطان يفعله في الإنسان بنفثه ونفخه وهمزه ووسوسته، ويتلقاه الساحر بتعليمه إياه، ومعونته عليه، فإذا تلقاه عنه، استعمله في غيره بالقول والنفث في العقد) (٥).

وقال شيخ الإسلام الصابوني: (ومن سحر منهم واستعمل السحر، واعتقد أنه يضر أو ينفع بغير إذن الله فقد كفر بالله جل جلاله، وإذا وصف ما يكفر به استتيب فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وإن وصف ما ليس بكفر، أو تكلم بما لا يفهم نهي عنه، فإن عاد عزر، وإن قال السحر ليس بحرام، وأنا أعتقد إباحته وجب قتله؛ لأنه استباح ما أجمع المسلمون على تحريمه) (٦).

ويقول ابن العربي: (إن الله سبحانه قد صرح في كتابه بأن السحر كفر؛ لأنه تعالى قال: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ من السحر، وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ بقول السحر، وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ به وبتعليمه، وهاروت وماروت يقولان " إنما نحن فتنة فلا تكفر وهذا تأكيد للبيان) (٧).


(١) [١٠٧٢٨])) ((الأم) (١/ ٣٩٢)، وقد أورد البيهقي هذا الحديث تحت عنوان: (باب من لا يكون سحره كفراً ولم يقتل به أحداً لم يقتل)، انظر ((سنن البيهقي)) (٨/ ١٣٧).
(٢) [١٠٧٢٩])) ((الفروق)) (٤/ ١٤٠).
(٣) [١٠٧٣٠])) ((الأعلام)) (ص ٣٩١).
(٤) [١٠٧٣١])) ((القول السديد)) (ص ٧٤، ٧٥)
(٥) [١٠٧٣٢])) ((شرح السنة)) للبغوي (١٢/ ١٨٨).
(٦) [١٠٧٣٣])) ((عقيدة السلف أصحاب الحديث)) (ص ٩٦)
(٧) [١٠٧٣٤])) ((أحكام القرآن)) (١/ ٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>