للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن الشاط: (فالذي يستقيم في هذه المسألة: ما حكاه الطرطوشي عن قدماء أصحابنا أنا لا نكفره حتى يثبت أنه من السحر الذي كفر الله تعالى به، أو يكون سحراً مشتملاً على كفر كما قال الشافعي) (١).

ويقول القرطبي: (قوله تعالى: - وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ تبرئة من الله لسليمان، ولم يتقدم في الآية أن أحداً نسبه إلى الكفر، ولكن اليهود نسبته إلى السحر، ولما كان السحر كفراً صار بمنزلة من نسبه إلى الكفر، ثم قال وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ فأثبت كفرهم بتعليم السحر) (٢).

وقال النووي: (والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريح ... كالسحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها ... ) (٣).

ويقول ابن تيمية: (إذا تقرب صاحب العزائم وكتب الروحانيات السحرية وأمثال ذلك إلى الشياطين بما يحبون من الكفر والشرك، صار ذلك كالرشوة لهم، فيقضون بعض أغراضه، كمن يعطي غيره مالاً ليقتل له من يريد قتله ... ولهذا كثير من هذه الأمور يكتبون فيها كلام الله بالنجاسة، وقد يقلبون حروف كلام الله عز وجل، إما حروف الفاتحة، وإما حروف قل هو الله أحد وإما غيرهما .. فإذا قالوا أو كتبوا ما ترضاه الشياطين، أعانتهم على بعض أغراضهم ... ) (٤).

ويقول السبكي: - وأما مذهب الشافعي فحاصله أن السحر له ثلاثة أحوال: حال يقتل كفراً، وحال يقتل قصاصاً، وحال لا يقتل أصلاً بل يعزر، أما الحالة التي يقتل فيها كفراً، فقال الشافعي رحمه الله: - أن يعمل بسحره، ما يبلغ الكفر، وشرح أصحابه ذلك بثلاثة أمثلة: - أحدهما أن يتكلم بكلام هو كفر ولا شك في أن ذلك موجب للقتل.

المثال الثاني: - أن يعتقد ما اعتقده من التقريب إلى الكواكب السبعة، وأنها تفعل بأنفسها فيجب عليه أيضاً القتل.

المثال الثالث: - أن يعتقد أنه يقدر به على قلب العيان، فيجب عليه القتل كما قاله القاضي حسين والماوردي) (٥).

ويقول الذهبي: (إن الساحر لابد وأن يكفر، قال الله تعالى: - وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة:١٠٢]، وما للشيطان الملعون غرض في تعليمه الإنسان السحر إلا ليشرك به.

فترى خلقاً كثيراً من الضلال يدخلون في السحر ويظنون أنه حرام فقط، وما يشعرون أنه الكفر، فيدخلون في تعلم السيمياء (٦) وعملها، وهي محض السحر، وفي عقد المرء عن زوجته وهو سحر، وفي محبة الزوج لامرأته وفي بغضها وبغضه، وأشباه ذلك بكلمات مجهولة أكثرها شرك وضلال. وحد الساحر القتل؛ لأنه كفر بالله أو ضارع الكفر ... فليتق العبد ربه ولا يدخل فيما يخسر به الدنيا والآخرة) (٧).

ويقول البيضاوي: (قوله تعالى وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ تكذيب لمن زعم ذلك، وعبر عن السحر بالكفر ليدل على أنه كفر، وأن من كان نبياً كان معصوماً عنه .. ) (٨).


(١) [١٠٧٣٥])) ((تهذيب الفروق)) (٤/ ١٥٧)
(٢) [١٠٧٣٦])) ((تفسير القرطبي)) (٢/ ٤٣)
(٣) [١٠٧٣٧])) ((روضة الطالبين)) (١٠/ ٦٤). وانظر ((مغني المحتاج)) للشربيني (٤/ ١٣٦)
(٤) [١٠٧٣٨])) ((مجموع الفتاوى)) (١٩/ ٣٤، ٣٥) بتصرف.
(٥) [١٠٧٣٩])) ((فتاوى السبكي)) (٢/ ٣٢٤).
(٦) [١٠٧٤٠])) السيمياء: - أحد علوم السحر، وهو عبارة عما تركب من خواص توجب بعض التخيلات انظر: ((مقدمة ابن خلدون)) (٣/ ١١٥٩)، و ((الفروق)) للقرافي (٤/ ١٣٧)، و ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (٢٩/ ٣٨٩)، و ((مفتاح السعادة)) لطاش كبري (١/ ٣١٧)، ((أبجد العلوم)) لمحمد صديق حسن (٢/ ٣٣٢)، و ((أضواء البيان)) (٤/ ٤٥٢)
(٧) [١٠٧٤١])) ((الكبائر)) للذهبي (ص: ٤١)
(٨) [١٠٧٤٢])) ((أنوار التنزيل)) (١/ ٧٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>