للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال فأكفره جهال الناس وسبوه ووقف علماء الناس، فلم يزل جهال الناس يسبونه حتى أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ)) (١) وتفاسير السلف وآثارهم في هذه الآية كثيرة جداً، وما كان منه إسرائيلياً فهو من القسم المقبول لموافقته ظاهر الآية في أن اليهود تعلموا السحر من الشياطين ورموا به نبي الله سليمان وأكفروه به وسبوه، وخاصموا به محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، فبين الله تعالى ما لبسوه وهدم ما أسسوه وبرأ نبيه سليمان عليه السلام مما ائتفكوه وأقام الحجة عليهم في بطلان ما انتحلوه فلله الحمد والمنة.

ومنها قوله تعالى: وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة:١٠٢] أكذب الله تعالى اليهود فيما نسبوه إلى نبيه سليمان عليه السلام بقوله: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وهم إنما نسبوا السحر إليه، ولازم ما نسبوه إليه هو الكفر لأن السحر كفر، ولهذا أثبت كفر الشياطين بتعليمهم الناس السحر فقال تعالى: وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وكذلك كل من تعلم السحر أو علمه أو عمل به يكفر ككفر الشياطين الذين علموه الناس، إذ لا فرق بينه وبينهم، بل هو تلميذ الشيطان وخريجه، عنه روى وبه تخرج وإياه اتبع، ولهذا قال تعالى في الملكين: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فبين تعالى أنه بمجرد تعلمه يكفر سواء عمل به وعلمه أو لا. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((فإذا أتاهما علما الخير والشر والكفر والإيمان فعرفا أن السحر من الكفر، قال فإذا أبى عليهما أمراه أن يأتي مكان كذا وكذا فإذا أتى عاين الشيطان فعلمه، فإذا تعلمه خرج منه النور فنظر إليه ساطعاً في السماء فيقول: يا حسرتاه يا ويله ماذا صنع)) (٢). وروى ابن أبي حاتم عن الحسن البصري أنه قال في تفسير هذه الآية: ((نعم أنزل الملكان بالسحر ليعلما الناس البلاء الذي أراد الله تعالى أن يبتلي به الناس، فأخذ عليهما الميثاق أن لا يعلما أحداً حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر)) (٣)، وقال قتادة كان أخذ عليهما أن لا يعلما أحداً حتى يقولا: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ أي بلاء ابتلينا به فَلاَ تَكْفُرْ وقال السدي إذا أتاهما إنسان يريد السحر وعظاه وقالا له: لا تكفر إنما نحن فتنة، فإذا أبى قالا له ائت هذا الرماد فبل عليه فإذا بال عليه خرج منه نور فسطع حتى يدخل السماء وذلك الإيمان، وأقبل شيء أسود كهيئة الدخان حتى يدخل في مسامعه وكل شيء وذلك غضب الله، فإذا أخبرهما بذلك علماه السحر فذلك قول الله تعالى: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ الآية. وعن ابن جريج في هذه الآية: لا يجترئ على السحر إلا كافر، والفتنة هي المحنة والاختبار.

ومنها قوله تعالى: وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ [البقرة:١٠٢].


(١) [١٠٧٥٠])) رواه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (٦/ ٢٨٨) , وقال أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (١/ ١٤٣): إسناده صحيح وهذا موقوف من كلام ابن عباس.
(٢) [١٠٧٥١])) رواه ابن أبي حاتم في ((التفسير)) (١/ ٢٧٩) ,
(٣) [١٠٧٥٢])) رواه ابن أبي حاتم في ((التفسير)) (١/ ٢٧٧) ,

<<  <  ج: ص:  >  >>