للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها قوله تعالى: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ، برَّأ الله سبحانه وتعالى نبيه عليه السلام من الكفر، وهذا الكفر الذي برأه الله تعالى منه هو علم الساحر وعمله، وإن كان بريئاً من الكفر كله كان معصوماً مما هو دونه، لكن سياق الآية في خصوص السحر وأنه بريء منه، ولو فرض وجود عمله به لكفر لأنه شرك والشرك أقبح الذنوب وأعظم المحبطات للأعمال كما قال تعالى في جميع رسله سليمان وغيره عليهم السلام بعد أن ذكرهم: ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأنعام: ٨٨]، وهذا معلوم من أصل القصة فإن اليهود قاتلهم الله تلقوا السحر عن الشياطين ونسبوه إلى سليمان عليه السلام، فبرأه الله تعالى من إفكهم بهذه الآية، كما قال مجاهد رحمه الله تعالى في هذه الآية: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ قال: كانت الشياطين تستمع الوحي فما سمعوا من كلمة زادوا فيها مائتين مثلها، فأرسل سليمان عليه السلام إلى ما كتبوا من ذلك، فلما توفي سليمان وجدته الشياطين وعلمته الناس وهو السحر. وقال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: كان سليمان عليه السلام يتبع ما في أيدي الشياطين من السحر فيأخذه منهم فيدفنه تحت كرسيَّهِ في بيت خزانته فلم تقدر الشياطين أن يصلوا إليه، فدنت إلى الإنس فقالوا لهم: أتدرون ما العلم الذي كان سليمان يسخر به الشياطين والرياح وغير ذلك؟ قالوا نعم. قالوا فإنه في بيت خزانته وتحت كرسيه، فاستثار به الإنس واستخرجوه وعملوا به، فقال أهل الحجاز – يعني اليهود من أهل الحجاز – كان سليمان يعمل بهذا وهو سحر، فأنزل الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم براءة سليمان عليه السلام فقال تعالى: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وقال محمد بن إسحاق بن يسار: (عمدت الشياطين حين عرفت موت سليمان بن داود عليهما السلام فكتبوا أصناف السحر، من كان يحب أن يبلغ كذا وكذا فليفعل كذا وكذا، حتى إذا صنفوا السحر جعلوه في كتاب ثم ختموه بخاتم على نقش خاتم سليمان وكتبوا في عنوانه: هذا ما كتب آصف بن برخيا الصديق للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم، ثم دفنوه تحت كرسيه واستخرجته بعد ذلك بقايا بني إسرائيل حتى أحدثوا ما أحدثوا، فلما عثروا عليه قالوا والله ما كان ملك سليمان إلا بهذا، فأفشوا السحر في الناس فتعلموه وعلموه، فليس هو في أحد أكثر منه في اليهود لعنهم الله، فلما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نزل عليه من الله سليمان بن داود وعده فيمن عد من المرسلين قال من كان بالمدينة من اليهود: تعجبون من محمد يزعم أن ابن داود كان نبياً، والله ما كان إلا ساحراً. وأنزل الله تعالى في ذلك: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ)) [البقرة: ١٠٢] , الآية) (١). وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان آصف كاتب سليمان، وكان يعلم الاسم الأعظم، وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه. فلما مات سليمان أخرجته الشياطين فكتبوا بين كل سطرين سحراً وكفراً وقالوا: هذا الذي كان سليمان يعمل به.


(١) [١٠٧٤٩])) رواه ابن جرير في ((التفسير)) (٢/ ٤٠٧) , انظر ((تفسير بن كثير)) (١/ ٣٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>