للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإنسان إذا فتح على نفسه باب التشاؤم، ضاقت عليه الدنيا، وصار يتخيل كل شيء أنه شؤم، حتى إنه يوجد أناس إذا أصبح وخرج من بيته ثم قابله رجل ليس له إلا عين واحدة تشاءم، وقال: اليوم يوم سوء، وأغلق دكانه، ولم يبع ولم يشتر ـ والعياذ بالله ـ، وكان بعضهم يتشاءم بيوم الأربعاء، ويقول: أنه يوم نحس وشؤم، ومنهم من يتشاءم بشهر شوال، ولا سيما في النكاح، وقد نقضت عائشة رضي الله عنها هذا التشاؤم، بأنه صلى الله عليه وسلم عقد عليها في شوال، وبنى بها في شوال، فكانت تقول: ((أيكن كان أحظى عنده مني؟)) (١) والجواب: لا أحد.

فالمهم أن التشاؤم ينبغي للإنسان أن لا يطرأ له على بال، لأنه ينكد عليه عيشه، فالواجب الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يعجبه الفأل (٢)، فينبغي للإنسان أن يتفاءل بالخير ولا يتشاءم، وكذلك بعض الناس إذا حاول الأمر مرة بعد أخرى تشاءم بأنه لن ينجح فيه فيتركه، وهذا خطأ، فكل شيء ترى فيه المصلحة، فلا تتقاعس عنه في أول محاولة، وحاول مرة بعد أخرى حتى يفتح الله عليك.

وأما قول الحسن: الجبت: رنة الشيطان، قال صاحب (تيسير العزيز الحميد) (٣): لم أجد فيه كلاماً.

والظاهر أن رنة الشيطان، أي: وحي الشيطان، فهذه من وحي الشيطان وإملائه، ولا شك أن الذي يتلقى أمره من وحي الشيطان أنه أتى نوعاً من الكفر، وقول الحسن جاء في (تفسير ابن كثير) باللفظ الذي ذكره المؤلف، وجاء في (المسند) بلفظ: ((إنه الشيطان)) (٤).

ووجه كون العيافة من السحر أن العيافة يستند فيها الإنسان إلى أمر لا حقيقة له: فماذا يعني كون الطائر يذهب يميناً أو شمالاً أو أماماً أو خلفاً؟ فهذا لا أصل له، وليس بسبب شرعي ولا حسي، فإذا اعتمد الإنسان على ذلك، فقد اعتمد على أمر خفي لا حقيقة له، وهذا سحر كما سبق تعريف السحر في اللغة.

وكذلك الطرق من السحر، لأنهم يستعملونه في السحر، ويتوصلون به إليه.

والطيرة كذلك، لأنها مثل العيافة تماماً تستند إلى أمر خفي لا يصح الاعتماد عليه، وسيأتي في باب الطيرة ما يستثنى منه.

قوله: (إسناده جيد ... ). قال الشيخ: إسناده جيد، وعندي أنه أقل من الجيد في الواقع، إلا أن يكون هناك متابعات، وكان بعض العلماء يذهب إلى أن الحديث إذا صح متنه، وكان موافقاً للأصول، فإنه يتساهل في سنده، والعكس بالعكس، إذا كان مخالفاً للأصول، فإنه لا يبالي بالسند، وهذا مسلك جيد بالنسبة لأخذ الحكم من الحديث، لكن بالنسبة للحكم على السند بأنه جيد بمجرد شهادة الأصول لهذا الحديث بالصحة، فهذا مشكل لأنه يلزم أنه لو جاءنا هذا السند في حديث آخر حكمنا بأنه جيد، فالأولى أن يقال: إن السند فيه ضعف، ولكن المتن، صحيح، فأنا أرى أن مثل هذا لا يحكم له بالجودة، إذ جيد أرقى من حسن، ثم الحكم بالحسن في مثل هذا السند في نفسي منه شيء، لأنه ينبغي لنا أن نتحرى في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أن الذي يخفف الأمر هو صحة المتن، وأيهما أهم: السند أم المتن؟


(١) [١٠٧٦٧])) رواه مسلم (١٤٢٣).
(٢) [١٠٧٦٨])) رواه البخاري (٥٧٧٦) , ومسلم (٢٢٢٤) , من حديث أنس رضي الله عنه.
(٣) [١٠٧٦٩])) انظر: ((وتيسير العزيز الحميد)) (ص ٣٩٨).
(٤) [١٠٧٧٠])) رواه أحمد (٥/ ٦٠) (٢٠٦٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>