للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجواب: كلاهما مهمان، لكن المتن إذا كان صحيحاً تشهد له الأصول قد تستغني عنه بما تشهد به الأصول، أما السند، فلا بد منه، يقول ابن المبارك: لولا السند، لقال كل من شاء ما شاء .... وللنسائي من حديث أبي هريرة: ((من عقد عقدة، ثم نفث فيها، فقد سحر، ومن سحر، فقد أشرك، ومن تعلق شيئاً، وكل إليه)) (١).

قوله: (من عقد عقدة). (من) شرطية، والعقد معروف.

قوله: (ثم نفث فيها). النفث: النفخ بريق خفيف، والمراد هنا النفث من أجل السحر.

أما لو عقد عقدة، ثم نفث فيها من أجل أن تحتكم بالرطوبة، فليس بداخل في الحديث، والنفث من أجل السحر يفعلونه بعض الأحيان للصرف، فيصرفون به الرجل عن زوجته، ولا سيما عند عقد النكاح، فيبعد الرجل عن زوجته، فلا يقوى على جماعها، فمن عقد هذه العقدة، فقد وقع في السحر كما قال تعالى: وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق: ٤].

قوله: (ومن سحر فقد أشرك). (من) هذه شرطية، وفعل الشرط: (سحر)، وجوابه: (فقد أشرك).

وقوله: (فقد أشرك). هذا لا يتناول جميع السحر، إنما المراد من سحر بالطرق الشيطانية.

أما من سحر بالأدوية والعقاقير وما أشبهها، فقد سبق أنه لا يكون مشركاً، لكن الذي يسحر بواسطة طاعة الشياطين واستخدامهم فيما يريد، فهذا لا شك أنه مشرك.

قوله: (ومن تعلق شيئاً وكل إليه). (تعلق شيئاً)، أي: استمسك به، واعتمد عليه.

(وكل إليه)، أي: جعل هذا الشيء الذي تعلق به عماداً له، ووكله الله إليه، وتخلى عنه.

ومناسبة هذه الجملة للتي قبلها: أن النافخ في العقد يريد أن يتوصل بهذا الشيء إلى حاجته ومآربه، فيوكل إلى هذا الشيء المحرم.

ووجه آخر: وهو أن من الناس من إذا سحر عن طريق النفخ بالعقد ذهب إلى السحرة وتعلق بهم، ولا يذهب إلى القراء والأدوية المباحة والأدعية المشروعة، ومن توكل على الله كفاه، قال تعالى: وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ [الطلاق: ٥]، وإذا كان الله حسبك، فلا بد أن تصل إلى ما تريد.

لكن من تعلق شيئاً من المخلوقين وكل إليه، ومن وكل إلى شيء من المخلوقين وكل إلى ضعف وعجز وعورة، وقد يشمل الحديث من اعتمد على نفسه وصار معجباً بما يقول ويفعل، فإنه يوكل إلى نفسه، ويوكل إلى ضعف وعجز وعورة، ولهذا ينبغي أن تكون دائماً متعلقاً بالله في كل أفعالك وأحوالك حتى في أهون الأمور ... وأن هؤلاء الذين يتعلقون بالسحر، ويجعلونه صناعة يصلون بها إلى مآربهم يوكلون إلى ذلك، وآخر أمرهم الخسارة والندم.

... والمؤلف كان حكيماً في تعبيره بالترجمة، حيث قال: باب بيان شيء من أنواع السحر، ولم يحكم عليها بشيء، لأن منها ما هو شرك، ومنها ما هو من كبائر الذنوب، ومنها دون ذلك، ومنها ما هو جائز على حسب ما يقصد به وعلى حسب تأثيره وآثاره.

فيه مسائل:

الأولى: أن العيافة والطرق والطيرة من الجبت. الثانية: تفسير العيافة والطرق. الثالثة: أن علم النجوم نوع من السحر. الرابعة: العقد مع النفث من ذلك. الخامسة: أن النميمة من ذلك. السادسة: أن من ذلك بعض الفصاحة.

قال: (فيه مسائل)، أي: في هذا الباب وما تضمنه من الأحاديث والآثار مسائل:


(١) [١٠٧٧١])) رواه النسائي (٧/ ١١٢) , والطبراني في ((الأوسط)) (٢/ ١٢٧) , قال ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (٥/ ٥٥١): [فيه] عباد المنقري هو ممن يكتب حديثه, وقال المزي في ((تهذيب الكمال)) (٩/ ٤٢٩): [فيه] عباد بن ميسرة قال يحيى بن معين ليس به بأس وقال أبو داود ليس بالقوي, وقال الذهبي في ((ميزان الاعتدال)) (٢/ ٣٧٨): لا يصح للين عباد بن ميسرة وانقطاعه, وقال الألباني في ((ضعيف النسائي)): ضعيف لكن جملة التعليق ثبتت في الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>