للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يجعلها سبباً يدعي به علم الغيب، فيستدل بحركاتها وتنقلاتها وتغيراتها على أنه سيكون كذا وكذا، لأن النجم الفلاني صار كذا وكذا، مثل أن يقول: هذا الإنسان ستكون حياته شقاء، لأنه ولد في النجم الفلاني، وهذا حياته ستكون سعيدة لأنه ولد في النجم الفلاني. فهذا اتخذ تعلم النجوم وسيلة لادعاء علم الغيب، ودعوى علم الغيب كفر مخرج عن الملة، لأن الله يقول: قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل: ٦٥]، وهذا من أقوى أنواع الحصر، لأنه بالنفي والإثبات، فإذا ادعى أحد علم الغيب، فقد كذب القرآن.

أن يعتقدها سبباً لحدوث الخير والشر، أي أنه إذا وقع شيء نسبه إلى النجوم، ولا ينسب إلى النجوم شيئاً إلا بعد وقوعه، فهذا شرك أصغر.

فإن قيل: ينتقض هذا بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله في الكسوف: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده)) (١)، فمعنى ذلك أنهما علامة إنذار.

والجواب من وجهين:

الأول: أنه لا يسلم أن للكسوف تأثيراً في الحوادث والعقوبات من الجدب والقحط والحروب، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)) (٢)، لا في ما مضى ولا في المستقبل، وإنما يخوف الله بهما العباد لعلهم يرجعون، وهذا أقرب.

الثاني: أنه لو سلمنا أن لهما تأثيراً، فإن النص قد دل على ذلك، وما دل عليه النص يجب القول به، لكن يكون خاصاً به.

لكن الوجه الأول هو الأقرب: أننا لا نسلم أصلاً أن لهما تأثيراً في هذا، لأن الحديث لا يقتضيه، فالحديث ينص على التخويف، والمخوف هو الله تعالى، والمخوف عقوبته، ولا أثر للكسوف في ذلك، وإنما هو علامة فقط.

الثاني: علم التيسير. وهذا ينقسم إلى قسمين:

الأول: أن يستدل بسيرها على المصالح الدينية، فهذا مطلوب، وإذا كان يعين على مصالح دينية واجبة كان تعلمها واجباً، كما لو أراد أن يستدل بالنجوم على جهة القبلة، فالنجم الفلاني يكون ثلث الليل قبلة، والنجم الفلاني يكون ربع الليل قبلة، فهذا فيه فائدة عظيمة.

الثاني: أن يستدل بسيرها على المصالح الدنيوية، فهذا لا بأس به، وهو نوعان:

النوع الأول: أن يستدل بها على الجهات، كمعرفة أن القطب يقع شمالاً، والجدي وهو قريب منه يدور حوله شمالاً، وهكذا، فهذا جائز، قال تعالى: وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [النحل: ١٦].

النوع الثاني: أن يستدل بها على الفصول، وهو ما يعرف بتعلم منازل القمر، فهذا كرهه بعض السلف، وأباحه آخرون.

والذين كرهوه قالوا: يخشى إذا قيل: طلع النجم الفلاني، فهو وقت الشتاء أو الصيف: أن بعض العامة يعتقد أنه هو الذي يأتي بالبرد أو البحر أو بالرياح.

والصحيح عدم الكراهة.

قوله في أثر قتادة: (خلق الله هذه النجوم لثلاث). اللام للتعليل، أي: لبيان العلة والحكمة.

قوله: (لثلاث). ويجوز لثلاثة، لكن الثلاث أحسن، أي: لثلاث حكم، لهذا حذف تاء التأنيث من العدد.

والثلاث هي:

الأولى: زينة للسماء، قال تعالى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ [الملك: ٥]، لأن الإنسان إذا رأى السماء صافية في ليلة غير مقمرة وليس فيها كهرباء يجد لهذه النجوم من الجمال العظيم ما لا يعلمه إلا الله، فتكون كأنها غابة محلاة بأنواع من الفضة اللامعة، هذه نجمة مضيئة كبيرة تميل إلى الحمرة، وهذه تميل إلى الزرقة، وهذه خفيفة، وهذه متوسطة، وهذا شيء مشاهد.


(١) [١٠٧٩٤])) رواه مسلم (٩١١) , من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.
(٢) [١٠٧٩٥])) رواه البخاري (١٠٦٠) , ومسلم (٩١٥) , من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>