للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (أو سحر له)، أي: طلب من الساحر أن يسحر له، ومنه النشرة عن طريق السحر، فهي داخلة فيه، وكانوا يستعملونها على وجوه متنوعة، منها أنهم يأتون بطست فيه ماء، ويصبون فيه رصاصاً، فيتكون هذا الرصاص بوجه الساحر، أي: تكون صورة الساحر في هذا الرصاص، ويسمونها العامة عندنا (صب الرصاص)، وهذا من أنواع السحر المحرم، وقد تبرأ رسول الله من فاعله.

الشاهد من هذا الحديث: قوله: (ومن أتى كاهناً .... ) إلخ، وقوله: (ورواه الطبراني في (الأوسط) بإسناد حسن من حديث ابن عباس ... ) إلخ، فيكون هذا مقوياً للأول.

قال البغوي: (العراف: الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك) (١).

وقيل: هو الكاهن. والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل.

وقيل: الذي يخبر عما في الضمير.

[قوله: (قال البغوي: العراف الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات ... ). العراف: صيغة مبالغة فإما أن يراد بها الصيغة، وإما أن يراد بها النسبة.]

وهو الذي يدعي معرفة تتعلق بعلم الغيب، فيدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على مكان المسروق والضالة ونحوها.

وظاهر كلام البغوي رحمه الله: أنه شامل لمن ادعى معرفة المستقبل والماضي، لأن مكان المسروق يعلم بعد السرقة، وكذلك الضالة قد حصل الضياع، ولكن المسألة ليست اتفاقية بين أهل العلم، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وقيل: هو"، أي: العراف الكاهن.

والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل.

قوله: (وقيل: هو الذي يخبر عما في الضمير)، أي: أن تضمر شيئاً فتقول: ما أضمرت؟ فيقول: أضمرت كذا وكذا.

أو المغيبات في المستقبل، تقول: ماذا سيحدث في الشهر الفلاني في اليوم الفلاني؟ ماذا ستلد امرأتي؟ متى يقدم ولدي؟ وهو لا يدري.

والخلاصة: أن العلماء اختلفوا في تعريف العراف، فقيل: هو الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على مكان المسروق والضالة ونحوها، فيكون شاملاً لمن يخبر عن أمور وقعت.

وقيل: الذي يخبر عما في الضمير.

وقيل: هو الكاهن، والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل.

وقال أبو العباس ابن تيمية: (العراف: اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم، ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق) (٢).

قوله: (وقال أبو العباس ابن تيمية). هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، يكنى بأبي العباس، ولم يتزوج، ولم يتركه من باب الرهبانية، ولكنه والله أعلم كان مشغولاً بالجهاد العلمي مع قلة الشهوة، وإلا لو كان قوي الشهوة لتزوج، وليس كما يدعي المزورون أن له ولداً مدفوناً إلى جانبه في دمشق، فإنه غير صحيح قطعاً.

وظاهر كلام الشيخ: أن شيخ الإسلام جزم بهذا، ولكن شيخ الإسلام قال: وقيل العراف، وذكره بقيل، ومعلوم أن ما ذكر بقيل ليس مما يجزم بأن الناقل يقول به، صحيح أنه إذا نقله ولم ينقضه، فهذا دليل على أنه ارتضاه.

وعلى كل حال، فشيخ الإسلام ساق هذا القول وارتضاه، ثم قال: ولو قيل: إنه اسم خاص لبعض هؤلاء الرمال والمنجم ونحوهم، فإنهم يدخلون فيه بالعموم المعنوي، لأن عندنا عموماً معنوياً، وهو ما ثبت عن طريق القياس، وعموماً لفظياً، وهو ما دل عليه اللفظ، بحيث يكون اللفظ شاملاً له.

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن استخدام الإنس للجن له ثلاث حالات.


(١) ((شرح السنة)) (١٢/ ١٨٢).
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (٣٥/ ١٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>