للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأبي يعلى بسند جيد عن ابن مسعود مثله موقوفاً (١).

وعن عمران بن حصين مرفوعاً: ((ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، ومن أتى كاهناً، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)). رواه البزار بإسناد جيد (٢).

... أن حديث أبي هريرة: (من أتى عرافاً أو كاهناً) أنه موقوف، لأنه قال عن أبي هريرة، لكنه لما قال في الذي بعده: (موقوفاً) ترجح عندنا أن الحديث الذي قبله مرفوع.

قوله: (ليس منا). تقدم الكلام على هذه الكلمة، وأنها لا تدل على خروج الفاعل من الإسلام، بل على حسب الحال.

قوله: (مرفوعاً) أي: إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: (تطير) التطير: هو التشاؤم بالمرئي أو المسموع أو المعلوم أو غير ذلك، وأصله من الطير، لأن العرب كانوا يتشاءمون أو يتفاءلون بها.

ومنه ما يحصل لبعض الناس إذ شرع في عمل، ثم حصل له في أوله تعثر تركه وتشاءم، فهذا غير جائز، بل يعتمد على الله ويتوكل عليه، وما دمت أنك تعلم أن في هذا الأمر خيراً، فغامر فيه، ولا تشاءم، لأنك لم توفق فيه لأول مرة، فكم من إنسان لم يوفق في العمل أول مرة، ثم وفق في ثاني مرة أو ثالث مرة؟!

ويقال: إن الكسائي - إمام النحو - طلب النحو عدة مرات، ولكنه لم يوفق، فرأى نملة تحمل نواة تمر، فتصعد بها إلى الجدار، فتسقط، حتى كررت ذلك عدة مرات، ثم صعدت بها إلى الجدار وتجاوزته، فقال: سبحان الله! هذه النملة تكابد هذه النواة حتى نجحت، إذاً أنا سأكابد علم النحو حتى أنجح. فكابد، فصار إمام أهل الكوفة في النحو.

قوله: (أو تطير له). بالبناء للمفعول، أي: أمر من يتطير له، مثل أن يأتي شخص، ويقول: سأسافر إلى المكان الفلاني، وأنت صاحب طير، وأريد أن تزجر طيرك لأنظر: هل هذه الوجهة مباركة أم لا، فمن فعل ذلك، فقد تبرأ منه الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (من تطير) يشمل من تطير لنفسه، أو تطير لغيره.

وقوله: (أو تكهن أو تكهن له). سبق أن الكهانة ادعاء علم الغيب في المستقبل، يقول سيكون كذا وكذا، وربما يقع، فهذا متكهن، ومن الغريب أنه شاع الآن في أسلوب الناس قولهم: تكهن بأن فلاناً سيأتي، ويطلقون هذا اللفظ الدال على عمل محرم على أمر مباح، وهذا لا ينبغي، لأن العامي الذي لا يفرق بين الأمور يظن أن الكهانة كلها مباحة، بدليل إطلاق هذا اللفظ على شيء مباح معلوم إباحته.

قوله: (أو تكهن له)، أي: طلب من الكاهن أن يتكهن له، كأن يقول للكاهن: ماذا يصيبني غداً، أو في الشهر الفلاني، أو في السنة الفلانية، وهذا تبرأ منه الرسول صلى الله عليه وسلم.

قوله: (أو سحر أو سحر له). تقدم تعريف السحر، وتقدم بيان أقسامه.


(١) [١٠٨٢٨])) (٩/ ٢٨٠) , ورواه الطبراني (١٠٠٠٥) , قال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (٤/ ٩٠): إسناده جيد, وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٥/ ١٢١): رجاله رجال الصحيح خلا هبيرة بن مريم وهو ثقة, وقال الألباني في ((صحيح الترغيب)) (٣٠٤٨): صحيح موقوف.
(٢) [١٠٨٢٩])) رواه البزار في ((المسند)) (٥/ ١٤٦) , والطبراني (١٨/ ١٦٢) , قال البزار روي بعضه من غير وجه (وفيه) أبو حمزة العطار لا بأس به, وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (٤/ ٨٨): إسناده جيد, وقال ابن الملقن في ((خلاصة البدر المنير)) (٢/ ٢٨٨): في إسناده أبو حمزة العطار ضعفه الفلاس وابن عدي ومع ذلك فسماع الحسن من عمران فيه اختلاف, وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٥/ ١٠٦): فيه إسحاق بن الربيع العطار وثقه أبو حاتم وضعفه عمرو بن علي وبقية رجاله ثقات, قال الألباني في ((غاية المرام)) (٢٨٩): حسن لغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>