للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكاهن في الأصل هو من يأتيه الرئي من الشياطين المسترقة السمع تتنزل عليهم كما قال الله تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ [الشعراء: ٢٢١] وهذه الآيات متعلقة بما قبلها وهي قوله عز وجل لما قال المشركون في رسوله محمد صلى الله عليه وسلم إنه كاهن وقالوا في القرآن كهانة وأنه مما يلقيه الشيطان، فنفى الله تعالى ذلك وبرأ رسوله وكتابه مما أفكوه وافتروه: وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ [الشعراء: ١٩٢ - ١٩٥] إلى أن قال تعالى: وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ [الشعراء: ٢١٠ - ٢١٢] فأثبت تعالى أن القرآن كلامه وتنزيله، وأن جبريل عليه السلام رسول منه مبلغ كلامه إلى الرسول البشري محمد صلى الله عليه وسلم، وهو مبلغ له إلى الناس، ثم نفى ما افتراه المشركون عليه فقال: وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وقرر انتفاء ذلك بثلاثة أمور: الأول بعد الشياطين وأعمالهم عن القرآن، وبعده وبعد مقاصده منهم، فقال تعالى: وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ لأن الشياطين مقاصدها الفساد والكفر والمعاصي والبغي والعتو والتمرد وغير ذلك من القبائح، والقرآن آت بصلاح الدنيا والآخرة، آمر بأصول الإيمان وشرائعه مقرر لها مرغب فيها زاجر عن الكفر والمعاصي ذام لها متوعد عليها آمر بالمعروف ناه عن المنكر، ما من خير آجل ولا عاجل إلا وفيه الدلالة عليه والدعوة إليه والبيان له، وما من شر عاجل ولا آجل إلا وفيه النهي عنه والتحذير منه، فأين هذا من مقاصد الشياطين؟ الثاني عجزهم عنه فقال تعالى: وَمَا يَسْتَطِيعُونَ، أي لو انبغى لهم ما استطاعوه، لأنه كلام رب العالمين ليس يشبه كلام شيء من المخلوقين، وليس في وسعهم الإتيان به ولا بسورة من مثله: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا القرآن لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء: ٨٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>