للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث عزلهم عن السمع وطردهم عن مقاعده التي كانوا يقعدون من السماء قبل نزول القرآن فقال تعالى: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ فبين تعالى – مع كونه لا ينبغي لهم – أنه لو انبغى ما استطاعوا الإتيان به أو بمثله لا من عند أنفسهم ولا نقلاً عن غيرهم من الملائكة، نفى عنهم الأول بعدم الاستطاعة، والثاني بعزلهم عن السمع وطردهم منه، قال الله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: ٩] إلى قوله: وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ [الحجر: ١٦ - ١٨] وقال تعالى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإٍ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ [الصافات: ٦ - ١٠] وقال تعالى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ [الملك: ٥] وقال تعالى عن مؤمني الجن رضي الله عنهم: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا [الجن: ٨ - ١٠] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب. قالوا: ما ذاك إلا من شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما الذي حال بيننا وبين خبر السماء. فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة وهو صلى الله عليه وسلم بنخل عامداً إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له وقالوا: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء. فرجعوا إلى قومهم فقالوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا. يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا [الجن: ١ - ٢] فأنزل الله عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ [الجن: ١])) وهذا الحديث بطوله وطرقه في (الصحيحين) وغيرهما (١)، ثم قال تعالى في جواب الكفار مبيناً لهم أولياء الشياطين الذين تنزل عليهم فقال تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ [الشعراء: ٢٢١] الآيات. وفي (صحيح البخاري) قالت عائشة رضي الله عنها: سأل ناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان، فقال: ((إنهم ليسوا بشيء)) قالوا يا رسول الله إنهم يحدثون بالشيء يكون حقاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرقرها في أذن وليه كقرقرة الدجاج، فيخلطون معها أكثر من مائة كذبة)) (٢).


(١) [١٠٨٣٣])) رواه البخاري (٧٧٣) , ومسلم (٤٤٩).
(٢) [١٠٨٣٤])) رواه البخاري (٧٥٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>