للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما كفر الكاهن فمن وجوه: منها كونه ولياً للشيطان فلم يوح إليه الشيطان إلا بعد أن تولاه، قال الله تعالى: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ [الأنعام: ١٢١] والشيطان لا يتولى إلا الكفار ويتولونه، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [البقرة: ٢٥٧] وهذا وجه ثان. والثالث قوله تعالى: يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ أي نور الإيمان والهدى إِلَى الظُّلُمَاتِ أي ظلمات الكفر والضلالة. وقال تعالى: وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا [النساء: ١١٩] وهذا وجه رابع. والخامس تسميته طاغوتاً في قوله عز وجل: يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا [النساء: ٦٠] نزلت في المتحاكمين إلى كاهن جهينة. وقوله وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ أي الطاغوت. وهذا وجه سادس. والسابع أن من هداه الله للإيمان من الكهان كسواد بن قارب رضي الله عنه لم يأته رأيه بعد أن دخل في الإسلام، فدل أنه لم يتنزل عليه في الجاهلية إلا لكفره وتوليه إياه، حتى إنه رضي الله عنه كان يغضب إذا سئل عنه حتى قال له عمر رضي الله عنه: (ما كنا فيه من عبادة الأوثان أعظم) الثامن وهو أعظمها تشبهه بالله عز وجل في صفاته ومنازعته له تعالى في ربوبيته، فإن علم الغيب من صفات الربوبية التي استأثر الله تعالى بها دون من سواه فلا سميَّ له ولا مضاهي ولا مشارك وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ [الأنعام:٥٩]- قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل: ٦٥]- عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا [الجن: ٢٦ - ٢٧]- أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ [الطور: ٤١]- أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى [النجم: ٣٥] ولسان حال الكاهن وقاله يقول نعم. التاسع أن دعواه تلك تتضمن التكذيب بالكتاب وبما أرسل الله به رسله. العاشر النصوص في كفر من سأله عن شيء فصدقه بما يقول فكيف به هو نفسه فيما ادعاه، فقد روى الأربعة والحاكم وقال صحيح على شرطهما عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)) (١) وعن عمران بن حصين رضي الله عنه ((ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له.


(١) [١٠٨٣٧])) رواه أبو داود (٣٩٠٤) , بلفظ (من أتى كاهنا) بدون (عرافا) وزاد (أو أتى امرأتا حائضا أو أتى امرأتا في دبرها فقد برئ) بدلا من (فقد كفر) والترمذي (١٣٥) , وابن ماجه (٦٣٩) , والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٥/ ٣٢٣) (٩٠١٧) بلفظ ((من أتى حائضا أو امرأة في دبرها) بدون (عرافا) , ورواه الحاكم (١/ ٤٩) , قال الترمذي: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث حكيم الأثرم عن أبي تميمة, وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرطهما جميعا من حديث ابن سيرين ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي, وقال البيهقي في ((السنن الكبرى)) (٧/ ١٩٨): له متابعة, وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (١٠/ ٢٢٧): له شاهد [وروي] بإسنادين جيدين ولفظهما (من أتى كاهنا) , وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) و ((صحيح ابن ماجه)).

<<  <  ج: ص:  >  >>