للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما أجمل تلك العبارة التي سطرها أبو الوفاء بن عقيل قائلاً: إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة، عاش ابن الراوندي والمعري عليهما لعائن الله ينظمون وينثرون كفراً ... وعاشوا سنين، وعظمت قبورهم، واشتريت تصانيفهم، وهذا يدل على برودة الدين في القلب (١).

وأما معنى الولاء فهو المحبة والمودة والقرب، والبراء هو البغض والعداوة والبعد، والولاء والبراء من أعمال القلوب، لكن تظهر مقتضياتهما على اللسان والجوارح.

يقول الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ: وأصل الموالاة الحب، وأصل المعادة البغض، وينشأ عنهما من أعمال القلوب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداة كالنصرة والأنس والمعاونة، وكالجهاد والهجرة، ونحو ذلك من الأعمال (٢).

والولاء لا يكون إلا لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين قال سبحانه: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة:٥٥].

فالولاء للمؤمنين يكون بمحبتهم لإيمانهم، ونصرتهم، والنصح لهم، والدعاء لهم، والسلام عليهم، وزيارة مريضهم، وتشييع ميتهم، وإعانتهم، والرحمة بهم، وغير ذلك (٣).

والبراءة من الكفار تكون ببغضهم - ديناً - ومفارقتهم، وعدم الركون إليهم، أو الإعجاب بهم، والحذر من التشبه بهم، وتحقيق مخالفتهم شرعاً، وجهادهم بالمال واللسان والسنان، ونحو ذلك من مقتضيات العداوة في الله (٤).

٢ - ولما كانت موالاة الكفار تقع على شعب متفاوتة، وصور مختلفة، لذا فإن الحكم فيها ليس حكماً واحداً، فإن من هذه الشعب والصور ما يوجب الردة، ونقض الإيمان بالكلية، ومنها ما هو دون ذلك من المعاصي (٥).

يقول الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ: ولفظ الظلم والمعصية والفسوق والفجور والموالاة والمعاداة والركون والشرك ونحو ذلك من الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة، قد يراد بها مسماها المطلق وحقيقتها المطلقة، وقد يراد بها مطلق الحقيقة، والأول هو الأصل عند الأصوليين، والثاني لا يحمل الكلام عليه إلا بقرينة لفظية أو معنوية، وإنما يعرف ذلك بالبيان النبوي، وتفسير السنة (٦).

وهذه الموالاة التي تناقض الإيمان، قد تكون اعتقاداً فحسب، وقد تظهر في أقوال وأعمال. والذي يهمنا في هذا المبحث الموالاة العملية، حيث سنورد مسألة مظاهرة الكفار على المسلمين كمثال لتلك الموالاة، وقبل أن نفصل الحديث عن تلك المسألة، فإننا نوضح - باختصار - جملة من الأمثلة على تلك الموالاة العملية، نظراً لعظم خطرها، وسعة انتشارها، وكثرة الوقوع فيها، فنذكر منها ما يلي:


(١) ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (١/ ٢٦٨).
(٢) ((الدرر السنية)) (٢/ ١٥٧).
(٣) انظر: تفصيل ذلك في رسالة ((أوثق عرى الإيمان)) لسليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب (ص٤٩ - ٥١)، وكتاب ((الولاء والبراء)) لمحمد القحطاني، و ((الموالاة والمعاداة)) لمحماس الجلعود.
(٤) انظر: تفصيل ذلك في رسالة ((أوثق عرى الإيمان)) لسليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب (ص٤٩ - ٥١)، وكتاب ((الولاء والبراء)) لمحمد القحطاني، و ((الموالاة والمعادة)) لمحماس الجلعود.
(٥) انظر: ((الدرر السنية)) (٧/ ١٥٥, ١٥٩, ٢٢٠)، و ((مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)) (٣/ ١٠، ٣١، ٣٨، ٥٧).
(٦) ((مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)) (٣/ ٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>