للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٢ - الشيخ عبدالعزيز بن باز، قال: ( ... ولهذا ذكر عبدالله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل، عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنهم كانوا لا يرون شيئا تركه كفر غير الصلاة، فهذا يدل على أن تركها كفر أكبر بإجماع الصحابة؛ لأن هناك أشياء يعرفون عنها أنها كفر، لكنه كفر دون كفر، مثل البراءة من النسب، ومثل القتال بين المؤمنين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((سِبَابُ المُسْلِمُ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ)) (١) فهذا كفر دون كفر إذا لم يستحله، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ كُفْراً بِكُمْ التَّبَرُّؤُ مِنْ آبَائِكُمْ)) (٢)، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((اثْنَتَانِ فِي الناسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ النِّيَاحَةُ وَالطَّعْنُ فِي النَّسَبِ)) (٣) فهذا كله كفر دون كفر عند أهل العلم؛ لأنه جاء منكرا غير معرف بـ (أل)، ودلت الأدلة الأخرى دالة على أن المراد به غير الكفر الأكبر، بخلاف الصلاة فإن أمرها عظيم، وهي أعظم شيء بعد الشهادتين، وعمود الإسلام) (٤).

وبعد: (فهذا الإجماع أقوى دليل في هذه المسألة، وأصرح دليل فيها؛ إذ لا يعتريه احتمال ولا تأويل. وهو ما يؤكد ما دلت عليه ظواهر النصوص بأن المراد بالكفر فيها الكفر المخرج من الملة. وهو يردُّ على كل من أراد صرف تلك النصوص عن ظواهرها، بأن المراد كفر دون كفر. بل هذا الإجماع يوجب على كل منصف الرجوع عن كل قول مخالف له، فإن الأئمة الأربعة وعامة العلماء على أن الإجماع حجة قطعية، لا يجوز العدول عنها. فمن قال من العلماء بخلاف ما دل عليه هذا الإجماع، لعل له عذره أو اجتهاده الذي يؤجر عليه، لكن هذا العذر قد زال عمن اطلع على هذا الإجماع ووقف عليه) (٥).

تنبيهان:

الأول: ما ذهب إليه بعض أهل العلم من حمل أحاديث كفر تارك الصلاة على الكفر الأصغر، قد ردّه شيخ الإسلام من تسعة أوجه، قال في (شرح العمدة): وأما حمله على كفر دون كفر، فهذا حمل صحيح ومحمل مستقيم في الجملة في مثل هذا الكلام، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين في كثير من المواضع مفسراً، لكن الكفر الوارد في الصلاة هو الكفر الأعظم لوجوه:

أحدها: أن الكفر المطلق هو الكفر الأعظم المخرج عن الملة فينصرف الإطلاق إليه، وإنما صرف في تلك المواضع إلى غير ذلك لقرائن انضمت إلى الكلام، ومن تأمل سياق كل حديث وجده معه، وليس هنا شيء يوجب صرفه عن ظاهره، بل هنا ما تقرره على الظاهر.

الثاني: أن ذلك الكفر منكر مبهم مثل قوله: ((وقتاله كفر)((هما بهم كفر)) وقوله: ((كفر بالله)) وشبه ذلك، وهنا عرف باللام بقوله: ((ليس بين العبد وبين الكفر أو قال الشرك)) والكفر المعرف ينصرف إلى الكفر المعروف وهو المخرج عن الملة.

الثالث: أن في بعض الأحاديث: ((فقد خرج من الملة)) وفي بعضها: ((بينه وبين الإيمان)) وفي بعضها: ((بينه وبين الكفر)) وهذا كله يقتضي أن الصلاة حدٌّ تُدخله إلى الإيمان إن فعله، وتخرجه عنه إن تركه.


(١) رواه البخاري (٤٨)، ومسلم (٦٤). من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
(٢) رواه البخاري (٦٨٣٠) بلفظ: ((إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم))، وهي من القرآن الذي نسخ لفظه.
(٣) رواه أحمد (٢/ ٣٧٧) (٨٨٩٢). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط البخاري رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي بكر فمن رجال البخاري.
(٤) ((مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز)) (١٠/ ٢٤٠) وما بعدها.
(٥) ((الخلاف في حكم تارك الصلاة)) (ص٥٨) لشيخنا الدكتور عبدالله بن إبراهيم الزاحم حفظه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>