للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرابع: أن قوله: (ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة)، وقوله: (كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة) لا يجوز أن يراد به إلا الكفر الأعظم؛ لأن بينه وبين غير ذلك مما يسمى كفرا أشياء كثيرة، ولا يقال: فقد يخرج من الملة بأشياء غير الصلاة، لأنا نقول: هذا ذكر في سياق ما كان من الأعمال المفروضة، وعلى العموم يوجب تركه الكفر، وما سوى ذلك من الاعتقادات فإنه ليس من الأعمال الظاهرة.

الخامس: أنه خرج هذا الكلام مخرج تخصيص الصلاة وبيان مرتبتها على غيرها في الجملة، ولو كان ذلك الكفر فسقاً لشاركها في ذلك عامة الفرائض.

السادس: أنه بين أنها آخر الدين، فإذا ذهب آخره ذهب كله.

السابع: أنه بين أن الصلاة هي العهد الذي بيننا وبين الكفار، وهم خارجون عن الملة ليسوا داخلين فيها، واقتضى ذلك أن من ترك هذا العهد فقد كفر، كما أن من أتى به فقد دخل في الدين، ولا يكون هذا إلا في الكفر المخرج من الملة.

الثامن: أن قول عمر: (لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة) أصرح شيء في خروجه عن الملة، وكذلك قول ابن مسعود وغيره، مع أنه بيّن أن إخراجها عن الوقت ليس هو الكفر وإنما هو الترك بالكلية، وهذا لا يكون إلا فيما يخرج من الملة.

التاسع: ما تقدم من حديث معاذ (١)؛ فإن فسطاطا على غير عمود لا يقوم، كذلك الدين لا يقوم إلا بالصلاة.

وفي هذه الوجوه يبطل قول من حملها على من تركها جاحدا.

وأيضا قوله: (كانوا لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر" وقوله: ليس بين العبد وبين الكفر وغير ذلك مما يوجب اختصاص الصلاة بذلك، وترك الجحود لا فرق فيه بين الصلاة وغيرها؛ ولأن الجحود نفسه هو الكفر من غير ترك حتى لو فعلها مع ذلك لم ينفعه، فكيف يعلق الحكم على ما لم يذكر؟!

ولأن المذكور هو الترك، وهو عام في من تركها جحودا أو تكاسلا، ولأن هذا عدول عن حقيقة الكلام من غير موجب فلا يلتفت إليه) (٢).

التنبيه الثاني: ما يردده بعض المخالفين من قولهم: كيف خفي هذا الإجماع على الأئمة الذين ذهبوا إلى عدم تكفير تارك الصلاة؟

جوابه أن يقال: إذا ثبت إجماع الصحابة، فهو حجة على من بعدهم، وأقوال العلماء يحتج لها، ولا يحتج بها، وباب العذر واسع، فالمخالف ربما لم يبلغه الإجماع، أو تأوله بنوع تأويل، والمسألة لها نظائر، فمن ذلك:

١ - أنه قد نقل غير واحد إجماع الصحابة على منع بيع أمهات الأولاد، وخالف في ذلك من خالف (٣).

قال ابن قدامة: (ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم بدليل قول علي كرم الله وجهه: كان رأيي ورأي عمر أن لا تباع أمهات الأولاد، وقوله: فقضى به عمر حياته وعثمان حياته، وقول عبيدة: رأي علي ... وعمر في الجماعة أحب إلينا من رأيه وحده. وروى عكرمة عن ابن عباس قال: قال عمر رضي الله عنهم: ما من رجلٍ كان يقر بأنه يطأ جاريته ثم يموت إلا أعتقها ولدها إذا ولدت وإن كان سقطا.


(١) وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد)). رواه الترمذي (٢٦٢٦)، وابن ماجه (٣٩٦٣)، وأحمد (٥/ ٢٣١) (٢٢٠٦٩). وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(٢) ((شرح العمدة)) (٢/ ٨١).
(٣) قال الصنعاني في ((سبل السلام)) (٢/ ١٤): (وادعى الإجماع على المنع من بيعها جماعة من المتأخرين، وأفاد الحافظ ابن كثير الكلام على هذه المسألة في جزء مفرد، قال: وتلخص لي عن الشافعي فيها أربعة أقوال، وفي المسألة من حيث هي ثمانية أقوال. وقد ذهب الناصر والإمامية وداود إلى جواز بيعها).

<<  <  ج: ص:  >  >>