للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال رحمه الله: (وقد تبين أن الدين لابد فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله بقلبه، أو بقلبه ولسانه، ولم يؤد واجباً ظاهراً، لا صلاة ولا زكاة ولا صياما ولا غير ذلك من الواجبات، ولو قدّر أن يؤدي الواجبات لا لأجل أن الله أوجبها، مثل أن يؤدي الأمانة ويصدق الحديث، أو يعدل في قسمه وحكمه، من غير إيمان بالله ورسوله، لم يخرج بذلك من الكفر؛ فإن المشركين، وأهل الكتاب يرون وجوب هذه الأمور، فلا يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد صلى الله عليه وسلم. ومن قال بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات، سواء جعل فعل تلك الواجبات لازما له أو جزءا منه- فهذا نزاع لفظي- كان مخطئا خطئا بينا، وهذه بدعة الإرجاء التي أعظم السلف والأئمة الكلام في أهلها، وقالوا فيها من المقالات الغليظة ما هو معروف. والصلاة هي أعظمها وأعمها وأولها وأجلها) (١).

(٤) تصريحه بأنه إذا انتفت أعمال الجوارح لم يبق في القلب إيمان:

قال: (وللجهمية هنا سؤال ذكره أبو الحسن في كتاب (الموجز)، وهو أن القرآن نفى الإيمان عن غير هؤلاء كقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:٢]، ولم يقل: إن هذه الأعمال من الإيمان. قالوا: فنحن نقول: من لم يعمل هذه الأعمال لم يكن مؤمنا لأن انتفاءها دليل على انتفاء العلم من قلبه.

والجواب عن هذا من وجوه: أحدها: أنكم سلمتم أن هذه الأعمال لازمة لإيمان القلب فإذا انتفت لم يبق في القلب إيمان وهذا هو المطلوب، وبعد هذا فكونها لازمة أو جزءا نزاع لفظي) (٢).

فتأمل قوله: (أنكم سلمتم أن هذه الأعمال لازمة لإيمان القلب فإذا انتفت لم يبق في القلب إيمان وهذا هو المطلوب) لتعلم أن هذا هو مقتضى التلازم عند شيخ الإسلام.

(٥) تصريحه بأن انتفاء اللازم الظاهر دليل على انتفاء الملزوم الباطن:

قال: (والمرجئة أخرجوا العمل الظاهر عن الإيمان؛ فمن قصد منهم إخراج أعمال القلوب أيضا وجعلها هي التصديق فهذا ضلال بين. ومن قصد إخراج العمل الظاهر قيل لهم: العمل الظاهر لازم للعمل الباطن لا ينفك عنه، وانتفاء الظاهر دليل انتفاء الباطن. فبقي النزاع في أن العمل الظاهر هل هو جزء من مسمى الإيمان يدل عليه بالتضمن، أو لازم لمسمى الإيمان) (٣).

وقال: (وقيل لمن قال: دخول الأعمال الظاهرة في اسم الإيمان مجاز: نزاعك لفظي؛ فإنك إذا سلمت أن هذه لوازم الإيمان الواجب الذي في القلب وموجباته، كان عدم اللازم موجبا لعدم الملزوم، فيلزم من عدم هذا الظاهر عدم الباطن. فإذا اعترفت بهذا كان النزاع لفظيا. وإن قلت ما هو حقيقة قول جهم وأتباعه من أنه يستقر الإيمان التام الواجب في القلب مع إظهار ما هو كفر وترك جميع الواجبات الظاهرة. قيل لك: فهذا يناقض قولك إن الظاهر لازم له وموجب له. بل قيل: حقيقة قولك أن الظاهر يقارن الباطن تارة ويفارقه أخرى، فليس بلازم له ولا موجب ومعلول له، ولكنه دليل إذا وجد دل على وجود الباطن، وإذا عدم لم يدل عدمه على العدم وهذا حقيقة قولك) (٤).


(١) ((الإيمان الأوسط)) ضمن ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٦٢١)، وما بين المعكوفتين من تحقيق ((الإيمان الأوسط)) للدكتور علي بن بخيت الزهراني (ص٥٧٧).
(٢) ((الإيمان)) ضمن ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٢٠٢).
(٣) ((الإيمان الأوسط)) ضمن ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٥٥٤).
(٤) ((الإيمان الأوسط)) ضمن ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٥٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>