للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: (فمن زعم أنّه يقر بالفرائض ولا يؤديها، ويعلمها، وبتحريم الفواحش والمنكرات ولا ينزجر عنها ولا يتركها، وأنه مع ذلك مؤمن، فقد كذّب بالكتاب وبما جاء به رسوله، ومثَله كمثل المنافقين الذين قالوا: قَالُواْ آمَنا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ [المائدة:٤١] فأكذبهم الله وردّ عليهم قولهم، وسماهم منافقين مأواهم الدرك الأسفل من النار، على أن المنافقين أحسن حالا من المرجئة؛ لأن المنافقين جحدوا العمل، وعملوه، والمرجئة أقروا بالعمل بقولهم، وجحدوه بترك العمل به. فمن جحد شيئا وأقر به بلسانه وعمله ببدنه، أحسن حالا ممن أقر بلسانه وأبى أن يعمله ببدنه. فالمرجئة جاحدون لما هم به مقرون، ومكذبون لما هم به مصدقون، فهم أسوأ حالا من المنافقين) (١).

١٤ - شيخ الإسلام ابن تيمية، ت: ٧٢٨هـ

وقد قرر هذه المسألة من وجوهٍ عدة:

(١) تصريحه بأن من لم يأت بالعمل فهو كافر:

قال: (وأيضا فان الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل كما دل عليه الكتاب والسنة وأجمع عليه السلف، وعلى ما هو مقرر في موضعه، فالقول تصديق الرسول، والعمل تصديق القول، فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمنا.

والقول الذي يصير به مؤمنا قول مخصوص وهو الشهادتان، فكذلك العمل هو الصلاة.

وأيضاً فإن حقيقة الدين هو الطاعة والانقياد، وذلك إنما يتم بالفعل لا بالقول فقط، فمن لم يفعل لله شيئا فما دان لله دينا، ومن لا دين له فهو كافر) (٢).

(٢) تصريحه بأن انتفاء أعمال الجوارح مع القدرة والعلم بها لا يكون إلا مع نفاق في القلب وزندقة لا مع إيمان صحيح:

قال: (وهذه المسألة لها طرفان: أحدهما: في إثبات الكفر الظاهر. والثاني: في إثبات الكفر الباطن.

فأما الطرف الثاني فهو مبني على مسألة كون الإيمان قولا وعملا كما تقدم، ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا إيمانا ثابتا في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة، لا مع إيمان صحيح) (٣).

(٣) تصريحه بأن الرجل لا يكون مؤمنا بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي اختص بإيجابها محمد صلى الله عليه وسلم:


(١) ((الإبانة)) (٢/ ٧٨٩) وما بعدها. وكلامه صريح في تكفير تارك العمل، وأنه أسوأ حالا من المنافقين، ولا يفهم منه تكفير المرجئة بإطلاق، بل كلامه عن المرجئة التاركين للعمل- مع الإقرار به-. وما ذكره من إطلاق الجحود على الترك، موافق لما نقله المروزي عن طائفة من أهل الحديث، قولهم: ( ... ولو أقر ثم لم يؤد، كان كمن جحده في المعنى، إذا استويا في الترك للأداء) انظر النص بتمامه في: ((تعظيم قدر الصلاة)) (٢/ ٥١٧).
(٢) ((شرح العمدة)) (٢/ ٨٦).
(٣) ((الإيمان الأوسط)) ضمن ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٦١٦). وزعم أحد المخالفين أن كلام شيخ الإسلام متعلق بإثبات الكفر في الباطن، وكلامنا متعلق بالحكم بالكفر في الظاهر، وأن تتمة كلام شيخ الإسلام متعلقة بالصلاة، فرجعنا إلى أصل مسألة الصلاة، وأن شيخ الإسلام قرر في ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٤٠٥) أن تقدير الأمور الممتنعة لا يكون إلا في الذهن. فهذه ثلاثة أمور زعم المخالف أنها نقاط مهمة لم يدركها من استشهد بهذا الكلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>