للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: التام هنا بمعنى الصحيح قطعا، ولا يجوز حمله على (الكامل) وإلا للزم صحة إقرار القلب، وصحة المحبة، مع عدم التكلم بالشهادتين مع القدرة.

٣ - وقال رحمه الله في بيان أوجه تفاضل الإيمان: (أحدها: الأعمال الظاهرة فإن الناس يتفاضلون فيها وتزيد وتنقص، وهذا مما اتفق الناس على دخول الزيادة فيه والنقصان، لكن نزاعهم في دخول ذلك في مسمى الإيمان، فالنفاة يقولون هو من ثمرات الإيمان ومقتضاه، فأُدخل فيه مجازا بهذا الاعتبار، وهذا معنى زيادة الإيمان عندهم ونقصه، أي زيادة ثمراته ونقصانها، فيقال: قد تقدم أن هذا من لوازم الإيمان وموجباته، فإنه يمتنع أن يكون إيمان تام في القلب بلا قول ولا عمل ظاهر، وأما كونه لازما أو جزءا منه فهذا يختلف بحسب حال استعمال لفظ الإيمان مفردا أو مقرونا بلفظ الإسلام والعمل) (١).

و (الإيمان التام) هنا هو الصحيح ولا شك، ولو فسر بالكامل للزم أن يصح الإيمان مع تخلف القول، ولا قائل به من أهل السنة.

٤ - وقال أيضا: (وأما إبليس وفرعون واليهود ونحوهم، فما قام بأنفسهم من الكفر وإرادة العلو والحسد، منع من حب الله وعبادة القلب له الذي لا يتم الإيمان إلا به، وصار فى القلب من كراهية رضوان الله واتباع ما أسخطه ما كان كفرا لا ينفع معه العلم) (٢). والتمام هنا بمعنى الصحة من غير شك.

٥ - وقال: (وهو مركب من أصل لا يتم بدونه، ومن واجب ينقص بفواته نقصا يستحق صاحبه العقوبة ... )

فالتمام هنا بمعنى الصحة، دون شك، وقد أكثر المخالف من الاستشهاد بهذا النص دون أن ينتبه لهذا المعنى!

وهذا-وغيره- يؤكد أن استعمال التام بمعنى الصحيح أو المجزئ أو أصل الإيمان، هو الغالب في كلام شيخ الإسلام، وقد قال: (فإنه يجب أن يُفسّر كلام المتكلم بعضُه ببعض، ويؤخذ كلامُه هاهنا وهاهنا، وتُعرف ما عادته (وما) يعنيه ويريده بذلك اللفظ إذا تكلم به، وتُعرف المعاني التي عُرف أنه أرادها في موضع آخر، فإذا عُرف عُرْفه وعادتُه في معانيه وألفاظه، كان هذا مما يُستعان به على معرفة مراده. وأما إذا استُعمل لفظه في معنى لم تجر عادته باستعماله فيه، وتُرك استعماله في المعنى الذي جرت عادته باستعماله فيه، وحُمل كلامه على خلاف المعنى الذي قد عُرف أنه يريده بذلك اللفظ، بجعلِ كلامه متناقضا، وتركِ حمله على ما يناسب سائر كلامه، كان ذلك تحريفا لكلامه عن موضعه، وتبديلا لمقاصده، وكذبا عليه) (٣).

(٩) تصريحه بأنه لا يتصور وجود إيمان القلب الواجب مع عدم جميع أعمال الجوارح:

قال: (وذلك لأن أصل الإيمان هو ما في القلب، والأعمال الظاهرة لازمة لذلك، لا يتصور وجود إيمان القلب الواجب مع عدم جميع أعمال الجوارح، بل متى نقصت الأعمال الظاهرة كان لنقص الإيمان الذي في القلب، فصار الإيمان متناولا للملزوم واللازم وإن كان أصله ما في القلب) (٤).

قلت: فإذا عدمت أعمال الجوارح بالكلية، لم يتصور وجود الإيمان الواجب في القلب.

وعلى فرض أن شيخ الإسلام يريد بالإيمان الواجب هنا ما زاد على أصل الإيمان الصحيح المجزئ، فإنه يسقط الاستشهاد به، لكنه لا ينافي عباراته الماضية التي يصرح فيها بأنه لم يبق في القلب إيمان، بل الكفر والزندقة، لأنا نقول: ترك العمل الظاهر بالكلية دليل على عدم وجود الإيمان القلبي الصحيح، وعلى عدم وجود ما زاد على الصحيح من باب أولى.

(١٠) تصريحه بأن ترك الواجبات الظاهرة دليل على انتفاء الإيمان الواجب من القلب:


(١) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٥٦٢).
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٥٦٢).
(٣) ((الجواب الصحيح)) (٤/ ٤٤).
(٤) ((الإيمان)) ضمن ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>