للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: (فالسلف يقولون: ترك الواجبات الظاهرة، دليل على انتفاء الإيمان الواجب من القلب، لكن قد يكون ذلك بزوال عمل القلب، الذي هو حب الله ورسوله، وخشية الله، ونحو ذلك، لا يستلزم ألا يكون في القلب من التصديق شيء.

وعند هؤلاء (١) كل من نفى الشرع إيمانه دلّ على أنه ليس في قلبه شيء من التصديق أصلا، وهذا سفسطة عند جماهير العقلاء) (٢).

قلت: الإيمان الواجب هنا، هو الإيمان الصحيح المجزئ، بدليل قوله: (لكن قد يكون ذلك بزوال عمل القلب ... لا يستلزم ألا يكون في القلب من التصديق شيء).

وسياق الكلام يفيد بأن شيخ الإسلام يسلم للمخالف بأن إيمان القلب يذهب وينتفي، لكن ليس لذهاب التصديق فقط، بل قد يكون بذهاب عمل القلب، وهذا يدل على أن المراد بانتفاء الإيمان الواجب من القلب: انتفاء الإيمان الصحيح المجزئ، المترتب على (زوال عمل القلب).

(١١) تصريحه بأنه لابد في الإسلام من الإتيان بأصل الطاعة في الظاهر:

قال: (فإذا قال أحد هؤلاء العالمين الجاحدين الذين ليسوا بمؤمنين: محمد رسول الله، كقول أولئك اليهود وغيرهم، فهذا خبر محض مطابق لعلمهم الذي قال الله فيه: الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:١٤٦]، لكن كما لا ينفعهم مجرد العلم، لا ينفعهم مجرد الخبر، بل لابد أن يقترن بالعلم في الباطن مقتضاه من العمل الذي هو المحبة والتعظيم والانقياد ونحو ذلك، كما أنه لابد أن يقترن بالخبر الظاهر مقتضاه من الاستسلام والانقياد وأصل الطاعة) (٣).

وهذا كما ترى صريح في اشتراط أربعة أمور، هي أركان الحقيقة المركبة، قول القلب وعمله، وقول اللسان وأصل عمل الجوارح، وسماه هنا: أصل الطاعة، وبين أنه لا ينفع الكافر وجود التصديق مع قول اللسان، ما لم يقترن التصديق بالعمل الباطن، ويقترن قول اللسان بالعمل الظاهر، وفي هذا أبلغ رد على من زعم أن التلازم بين الظاهر والباطن إنما هو في الإيمان المطلق أو الكامل لا في أصل الإيمان.

١٥ - الإمام ابن القيم رحمه الله، ت:٧٥١هـ

(١) تصريحه بأن تخلف العمل الظاهر دليل على فساد الباطن.

قال: (الإيمان له ظاهر وباطن، وظاهره قول اللسان وعمل الجوارح وباطنه تصديق القلب وانقياده ومحبته، فلا ينفع ظاهر لا باطن له وإن حقن به الدماء وعصم به المال والذرية.

ولا يجزئ باطن لا ظاهر له إلا إذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هلاك، فتخلف العمل ظاهرا مع عدم المانع دليل على فساد الباطن وخلوه من الإيمان.

ونقصه دليل نقصه.

وقوته دليل قوته. فالإيمان قلب الإسلام ولبه، واليقين قلب الإيمان ولبه. وكل علم وعمل لا يزيد الإيمان واليقين قوةً فمدخول، وكل إيمان لا يبعث على العمل فمدخول) (٤).

وقال: (فكل إسلام ظاهر لا ينفذ صاحبه منه إلى حقيقة الإيمان الباطنة، فليس بنافع، حتى يكون معه شيء من الإيمان الباطن.

وكل حقيقة باطنة لا يقوم صاحبها بشرائع الإسلام الظاهرة، لا تنفع ولو كانت ما كانت، فلو تمزق القلب بالمحبة والخوف، ولم يتعبد بالأمر وظاهر الشرع، لم ينجه ذلك من النار، كما أنه لو قام بظواهر الإسلام وليس في باطنه حقيقة الإيمان لم ينجه من النار) (٥).

(٢) تصريحه بأن من أمحل المحال أن يقوم بقلب العبد إيمان جازم لا يتقاضاه فعل طاعة ولا ترك معصية:


(١) أي: الأشعري – قبل رجوعه لمذهب أهل السنة والجماعة- والباقلاني ومن قبلهم ممن نصر قول جهم في الإيمان.
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ١٤٨).
(٣) ((التسعينية)) (٢/ ٦٧٣).
(٤) ((الفوائد)) (ص٨٥).
(٥) ((الفوائد)) (ص١٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>