للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: (على أنا نقول: لا يصر على ترك الصلاة إصرارا مستمرا من يصدّق بأن الله أمر بها أصلا، فإنه يستحيل في العادة والطبيعة أن يكون الرجل مصدقا تصديقا جازما أن الله فرض عليه كل يوم وليلة خمس صلوات، وأنه يعاقبه على تركها أشد العقاب، وهو مع ذلك مصر على تركها، هذا من المستحيل قطعا، فلا يحافظ على تركها مصدق بفرضها أبدا، فإن الإيمان يأمر صاحبه بها، فحيث لم يكن في قلبه ما يأمر بها فليس في قلبه شيء من الإيمان، ولا تصغ إلى كلام من ليس له خبرة ولا علم بأحكام القلوب وأعمالها. وتأمل في الطبيعة بأن يقوم بقلب العبد إيمان بالوعد والوعيد، والجنة والنار، وأن الله فرض عليه الصلاة، وأن الله يعاقبه معاقبة على تركها، وهو محافظ على الترك، في صحته وعافيته، وعدم الموانع المانعة له من الفعل، وهذا القدر هو الذي خفي على من جعل الإيمان مجرد التصديق، وإن لم يقارنه فعل واجب ولا ترك محرم، وهذا من أمحل المحال أن يقوم بقلب العبد إيمان جازم لا يتقاضاه فعل طاعة ولا ترك معصية ... ) (١).

(٣) تصريحه بأن التصديق لا يصح إلا بالعمل:

قال: (فالتصديق إنما يتم بأمرين: أحدهما اعتقاد الصدق، والثاني محبة القلب وانقياده، ولهذا قال تعالى لإبراهيم: يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [الصافات: ١٠٤ - ١٠٥]، وإبراهيم كان معتقداً لصدق رؤياه من حين رآها، فإن رؤيا الأنبياء وحي، وإنما جعله مصدقاً لها بعد أن فعل ما أمر به، وكذلك قوله: ((وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ)) (٢)، فجعل التصديق عمل الفرج ما يتمنى القلب، والتكذيب تركه لذلك، وهذا صريح في أن التصديق لا يصح إلا بالعمل. وقال الحسن: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.

وقد روي هذا مرفوعاً، والمقصود أنه يمتنع مع التصديق الجازم بوجوب الصلاة، (و) الوعد على فعلها والوعيد على تركها. وبالله التوفيق) (٣).

وقال رحمه الله: (وإذا كان الإيمان يزول بزوال عمل القلب، فغير مستنكر أن يزول بزوال أعظم أعمال الجوارح، ولا سيما إذا كان ملزوماً لعدم محبة القلب وانقياده، الذي هو ملزوم لعدم التصديق الجازم، كما تقدم تقريره؛ فإنه يلزم من عدم طاعة القلب عدم طاعة الجوارح؛ إذ لو أطاع القلب وانقاد أطاعت الجوارح وانقادت، ويلزم من عدم طاعته وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة وهو حقيقة الإيمان. فإن الإيمان ليس مجرد التصديق ..... وإنما هو التصديق المستلزم للطاعة والانقياد، وهكذا الهُدى ليس هو مجرد معرفة الحق وتبينه، بل هو معرفته المستلزمة لاتباعه والعمل بموجبه، وإن سمي الأول هدى، فليس هو الهدى التام المستلزم للاهتداء، كما أن اعتقاد التصديق وإن سمي تصديقاً فليس هو التصديق المستلزم للإيمان. فعليك بمراجعة هذا الأصل ومراعاته) (٤).

١٦ - الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب، ت: ١٢٠٦هـ

قال: (اعلم رحمك الله أن دين الله يكون على القلب بالاعتقاد، وبالحب وبالبغض، ويكون على اللسان بالنطق وترك النطق بالكفر، ويكون على الجوارح بفعل أركان الإسلام، وترك الأفعال التي تكفر، فإذا اختل واحدة من هذه الثلاث كفر وارتد) (٥).

١٧ - الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي، ت: ١٣٧٦هـ


(١) ((الصلاة وحكم تاركها)) (ص٣٥).
(٢) رواه البخاري (٦٢٤٣)، ومسلم (٢٦٥٧). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) ((الصلاة وحكم تاركها)) (ص٣٧)، وما بين المعكوفتين زيادة يقتضيها السياق.
(٤) ((الصلاة وحكم تاركها)) (ص٤٦).
(٥) ((الدرر السنية)) (١٠/ ٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>