للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٣) وقال في شرح حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه: ((فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النارِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ)) (١): (قوله: ((مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ)) أي بشرط الإخلاص، بدليل قوله: ((يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ)) أي: يطلب وجه الله، ومن طلب وجها، فلابد أن يعمل كل ما في وسعه للوصول إليه؛ لأن مبتغي الشيء يسعى في الوصول إليه، وعليه فلا نحتاج إلى قول الزهري بعد أن ساق الحديث، كما في (صحيح مسلم) حيث قال: ثم وجبت بعد ذلك أمور، وحرمت أمور؛ فلا يغتر مغتر بهذا. فالحديث واضح الدلالة على شرطية العمل لمن قال لا إله إلا الله، حيث قال: ((يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ) ولهذا قال بعض السلف عند قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مفتاح الجنة لا إله إلا الله)) (٢): لكن من أتى بمفتاح لا أسنان له لا يفتح له) (٣).

(٤) وقال: (وترك الصلاة كفر مخرج عن الملة إذا تركها الإنسان ولم يصل، لأدلة كثيرة من الكتاب والسنة، وقد حكى بعض أهل العلم إجماع الصحابة على ذلك، ولا شك أن الذي لا يصلي ليس في قلبه إيمان؛ لأن الإيمان مقتضٍ لفعل الطاعة، وأعظم الطاعات البدنية الصلاة، فإذا تركها فهو دليل أنه ليس في قلبه إيمان، وإن ادعى أنه مؤمن، فإن من كان مؤمناً فإنه بمقتضى هذا الإيمان يكون قائماً بهذه الصلاة العظيمة) (٤).

(٥) وسئل رحمه الله: عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: شَفَعَتْ الْمَلائِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ وَلَمْ يَبْقَ إِلا أَرْحَمُ الراحِمِينَ فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ)) رواه مسلم (٥)، ما معنى قوله: ((لم يعملوا خيرا قط)

فأجاب: (معنى قوله: ((لم يعملوا خيرا قط)) أنهم ما عملوا أعمالا صالحة، لكن الإيمان قد وقر في قلوبهم، فإما أن يكون هؤلاء قد ماتوا قبل التمكن من العمل، آمنوا ثم ماتوا قبل أن يتمكنوا من العمل، وحينئذ يصدق عليهم أنهم لم يعملوا خيرا قط.

وإما أن يكون هذا الحديث مقيداً بمثل الأحاديث الدالة على أن بعض الأعمال الصالحة تركها كفر كالصلاة مثلا، فإن من لم يصل فهو كافر ولو زعم أنه مؤمن بالله ورسوله، والكافر لا تنفعه شفاعة الشافعين يوم القيامة وهو خالد مخلد في النار أبد الآبدين والعياذ بالله. فالمهم أن هذا الحديث إما أن يكون في قوم آمنوا ولم يتمكنوا من العمل فماتوا فور إيمانهم، فما عملوا خيرا قط.


(١) رواه البخاري (٤٢٥)، ومسلم (٣٣).
(٢) عزاه الحافظ في ((الفتح)) (٣/ ١٠٩) إلى ابن اسحاق في ((السيرة)) أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل العلاء بن الحضرمي قال له: ((إذا سئلت عن مفتاح الجنة فقل مفتاحها لا إله إلا الله". قال الحافظ: وروي عن معاذ بن جبل مرفوعا نحوه، رواه البيهقي في ((الشعب))، وزاد: "ولكن مفتاح بلا أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك)). وقال البخاري في (صحيحه): (باب في الجنائز ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله وقيل لوهب بن منبه: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك). قال الحافظ: وأما أثر وهب فوصله المصنف في ((التاريخ)) وأبو نعيم في ((الحلية)).
(٣) ((القول المفيد شرح كتاب التوحيد)) (١/ ٧٤).
(٤) ((مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين)) (١٢/ ٣٩).
(٥) رواه مسلم (١٨٣) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>