للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال المناوي في قوله صلى الله عليه وسلم: ((الله الله في أصحابي)) (أي: اتقوا الله فيهم ولا تلمزوهم بسوء أو اذكروا الله فيهم، وفي تعظيمهم وتوقيرهم، وكرره إيذاناً بمزيد الحث على الكف عن التعرض لهم بمنقص ((فمن أحبهم فبحبي أحبهم)) أي: فبسبب حبهم إياي، أو حبي إياهم، أي: إنما أحبهم لحبهم إياي، أو لحبي إياهم. ((ومن أبغضهم فببغضي)). أي: فبسبب بغضه إياي، ((أبغضهم)) يعني: إنما أبغضهم لبغضه إياي ... وخص الوعيد بها لما اطلع عليه مما سيكون بعده من ظهور البدع وإيذاء بعضهم زعماً منهم الحب لبعض آخر، وهذا من باهر معجزاته، وقد كان في حياته حريصاً على حفظهم والشفقة عليهم. أخرج البيهقي عن ابن مسعود: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر)) (١)، وإن تعرض إليهم ملحد وكفر نعمة قد أنعم الله بها عليهم، فجهل منه وحرمان، وسوء فهم، وقلة إيمان، إذ لو لحقهم نقص لم يبق في الدين ساق قائمة لأنهم النقلة إلينا، فإذا جرح النقلة دخل من الآيات والأحاديث التي بها ذهاب الأنام، وخراب الإسلام إذ لا وحي بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم وعدالة المبلغ شرط لصحة التبليغ) (٢).

(٣) وروى الإمام البخاري في (صحيحه) من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار)) (٣).

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم هذا: (أن علامات كمال إيمان الإنسان، أو نفس إيمانه حب مؤمني الأوس والخزرج لحسن وفائهم بما عاهدوا الله عليه من إيواء نبيه صلى الله عليه وسلم ونصره على أعدائه زمن الضعف والعسرة وحسن جواره ورسوخ صداقتهم وخلوص مودتهم ولا يلزم منه ترجيحهم على المهاجرين الذين فارقوا أوطانهم وأهليهم وحرموا أموالهم حباً له وروماً لرضاه ... (وآية النفاق) بالمعنى الخاص (بغض الأنصار)، صرح به مع فهمه مما قبله لاقتضاء المقام التأكيد، ولم يقابل الإيمان بالكفر الذي هو ضده، لأن الكلام فيمن ظاهره الإيمان، وباطنه الكفر فميزه عن ذوي الإيمان الحقيقي، فلم يقل آية الكفر لكونه غير كافر ظاهراً، وخص الأنصار بهذه المنقبة العظمى، لما امتازوا به من الفضائل، فكان اختصاصهم بها مظنة الحسد الموجب للبغض، فوجب التحذير من بغضهم والترغيب في حبهم، وأبرز ذلك في هذين التركيبين المفيدين للحصر لأن المبتدأ والخبر فيهما معرفتان، فجعل ذلك آية الإيمان والنفاق على منهج القصر الادعائي، حتى كأنه: لا علامة للإيمان إلا حبهم، وليس حبهم إلا علامته، ولا علامة للنفاق إلا بغضهم، وليس بغضهم إلا علامته، تنويهاً بعظيم فضلهم، وتنبيهاً على كريم فعلهم، وإن كان من شاركهم في المعنى مشاركاً لهم في الفضل كل بقسطه) (٤).

(٤) وروى مسلم بإسناده إلى عدي بن ثابت، قال: سمعت البراء يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأنصار: ((لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله)).

قال شعبة: (قلت لعدي: سمعته من البراء؟ قال: إياي حدث) (٥).

(٥) وروى أيضاً: بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر)) (٦).


(١) رواه البيهقي (٨/ ١٦٦) (١٦٤٥٢). وقال الذهبي في ((المهذب)) (٦/ ٣٢٧٣): انفرد الكديمي بقوله فأتاه مال إلى آخر الحديث، والكديمي لا شيء.
(٢) ((فيض القدير)) للمناوي (٢/ ٩٨).
(٣) رواه البخاري (١٧). من حديث أنس رضي الله عنه.
(٤) ((فيض القدير)) للمناوي (١/ ٦٢).
(٥) رواه مسلم (٧٥).
(٦) رواه مسلم (٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>