للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما هم عليه من الهدي والعمل، هو من سبيل غير المؤمنين، بل ومن سبيل المفسدين، والذين لا يعلمون، وما يقدر عدم اندراجه في العموم، فالنهي ثابت عن جنسه، فيكون مفارقة الجنس بالكلية أقرب إلى ترك المنهي، ومقاربته مظنة وقوع المنهي عنه، قال سبحانه: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ إلى قوله: وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ [المائدة: ٤٨ - ٤٩] ومتابعتهم في هديهم، هي من اتباع ما يهوونه، أو مظنة لاتباع ما يهوونه وتركها معونة على ترك ذلك، وحسم لمادة متابعتهم فيما يهوونه.

واعلم: أن في كتاب الله من النهي عن مشابهة الأمم الكافرة وقصصهم التي فيها عبرة لنا بترك ما فعلوه - كثير. مثل قوله، لما ذكر ما فعله بأهل الكتاب من المثلات: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ [الحشر: ٢] وقوله: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ [يوسف: ١١١] وأمثال ذلك، ومنه ما يدل على مقصودنا، ومنه ما فيه إشارة وتتميم للمقصود.

ثم هذا الذي دل عليه الكتاب: من مشابهة بعض هذه الأمة للقرون الماضية في الدنيا وفي الدين، وذم من يفعل ذلك، دلت عليه - أيضاً - سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأول الآية - على ذلك - أصحابه رضي الله عنهم.

فمما جاء في الاستمتاع: حديث لتأخذن كما أخذت الأمم قبلكم.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لتأخذن كما أخذت الأمم من قبلكم: ذراعاً بذراع، وشبراً بشبر، وباعاً بباع، حتى لو أن أحداً من أولئك دخل جحر ضب لدخلتموه - قال أبو هريرة: اقرؤا - إن شئتم - كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً قالوا: يا رسول الله كما صنعت فارس والروم وأهل الكتاب؟ قال: فهل الناس إلا هم؟)) (١).

وما أثر عن بعض الصحابة في ذلك.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، في هذه الآية، أنه قال: (ما أشبه الليلة بالبارحة، هؤلاء بنو إسرائيل شبهنا بهم) (٢).

وعن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: (أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتاً وهدياً، تتبعون عملهم حذو القذة بالقذة، غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا؟) (٣).


(١) رواه أبو يعلى في ((المسند)) (١١/ ١٨٢) وابن جرير في ((التفسير)) (١٤/ ٣٤١) , ورواه ابن ماجه (٣٩٩٤) بنحوه, قال العراقي في ((الباعث على الخلاص)) (١٥): إسناده حسن, قال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): حسن صحيح.
(٢) رواه ابن أبي حاتم في ((التفسير)) (٧/ ٣٢١) , وابن جرير في ((التفسير)) (١٤/ ٣٤٢).
(٣) رواه البغوي في ((التفسير)) (٤/ ٧٢) قال البزار في ((البحر الزخار)) (٥/ ٤١٦): [فيه] أبو قيس ليس بالقوي، وقد روى عنه غير واحد, وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١٠/ ٧٣): فيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (٧/ ٩١٤): [فيه] ليث بن أبي سليم صدوق ولكنه كان اختلط.

<<  <  ج: ص:  >  >>