للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦ - قال تعالى: وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال: ٦٢ - ٦٣].

المعنى: فإن حسبك الله، أي: كافيك الله الذي يتولى رعايتك وحياطتك، فهو المتكفل بإظهار دينك على الأديان، ومتضمن أن يجعل كلمته العليا، وكلمة أعدائه السفلى (١).

والتأييد من الله سبحانه وتعالى على قسمين:

أحدهما: ما يحصل من غير واسطة أسباب معلومة معتادة.

والثاني: ما يحصل بواسطة أسباب معلومة معتادة.

فالأول: هو المراد من قوله: أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ؛ والثاني: هو المراد من قوله: وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٢)؛ فالله تبارك وتعالى هو الذي أيدك بنصره أول مرة، وأيدك بالمؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وجعل منهم قوة موحدة، بعد أن كانت قلوبهم شتى، وعداواتهم جاهزة وبأسهم بينهم شديد، سواء كان المقصود هم الأوس والخزرج – وهم الأنصار – فقد كان بينهم في الجاهلية من الثارات والدماء والمنازعات ما يستحيل معه الالتئام فضلاً عن هذا الإخاء الذي لم تعرف له الأرض نظيراً ولا شبيهاً .. أم كان المقصود المهاجرين، وهم كانوا كالأنصار في الجاهلية .. أو كان الجميع مقصودين، فقد كانت هذه هي حالة عرب الجزيرة جميعاً.

يقول محمد جواد مغنية: (ليس من شك أن الله سبحانه هو الذي ألف بين قلوب الصحابة بعد أن كانت عصية على التأليف بخاصة بين الأوس والخزرج الذين امتدت الحروب بينهم ١٢٠ سنة .. وأيضاً ليس من شك أن الله سبحانه يجري الأمور على سننها، والمسببات على أسبابها؛ وسبب التأليف بين قلوب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم هو الإسلام وإيمانهم به نظرياً وعملياً، والإسلام من عند الله، فصحت النسبة إليه تعالى) (٣).

ووجه الاستدلال من الآية: إن الله تعالى جعل أحد أسباب تأييد الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام وقد ألف بين قلوبهم وجمع كلمتهم ووحد صفهم ومن كانت هذه صفته فلابد أن يكون عدلاً خياراً.

٧ - قال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنفال: ٧٤ - ٧٥].

المعنى: قسم الله تعالى المؤمنين في هاتين الآيتين إلى قسمين:

القسم الأول: المهاجرون الأولون، وقد أثبت لهم تعالى أربع صفات تدل على علو شأنهم ورفعة مكانتهم (٤).

أولها: أنهم آمنوا بالله وملائكة وكتبه ورسله واليوم الآخر وقبلوا جميع التكاليف التي بلغها النبي صلى الله عليه وسلم إليهم.

وثانيها: أنهم فارقوا الأوطان، وتركوا الأقارب والجيران في طلب مرضاة الله.


(١) ((تفسير الطبري)) (١٠/ ٣٥)، ((تفسير القرطبي)) (٨/ ٢٨).
(٢) ((تفسير الرازي)) (١٥/ ١٩٥).
(٣) ((التفسير الكاشف)) لمحمد جواد مغنية (٣/ ٥٠٣).
(٤) ((تفسير الرازي)) (١٥/ ٢١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>