للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - إذا عنت الآية أمة محمد صلى الله عليه وسلم على العموم، فإن الصحابة داخلون في ذلك العموم حيث إنهم جزء من كل.

٤ - أنهم أولى بالدخول من غيرهم إذ الأوصاف التي وصفوا بها لم يتصف بها على الكمال إلا هم، فمطابقة الوصف للاتصاف شاهد على أنهم أحق من غيرهم بالمدح.

لذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية: هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وشهدوا بدراً والحديبية (١). وقال الضحاك: هي في أصحاب رسول الله خاصة (٢). وقال الزجاج: هذا الخطاب أصله أنه خوطب به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعم سائر أمة محمد صلى الله عليه وسلم (٣).

من ذلك يتبين وجه الدلالة من الآية: وهو أن الله سبحانه وتعالى أثبت الخيرية للصحابة الكرام رضي الله عنهم، ومن كان خير الناس وأفضلهم لابد أن يكون أعدلهم وأوثقهم.

٤ - قال تعالى: الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران: ١٧٢ - ١٧٤].

تأتي هذه الآيات لتصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قمة صبرهم وجلدهم حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم دعاهم من اليوم التالي لأحد لمواجهة أبي سفيان وأصحابه الذين هموا بالعودة لقتال المسلمين.

وقد كان نداء الرسول صلى الله عليه وسلم مخصصاً لمن كان قد اشترك معه في القتال قبل يوم إشعاراً لقريش بأنها لم تنل من المسلمين منالاً، وأنه بقي له منهم من يتعقبها ويكر عليها.

ولم يتخلف من المسلمين أحد وما منهم إلا من أصابه القرح أو نزل به الضر أو أثخنته الجراح (٤).

قال الزمخشري: (ومن في قوله تعالى – للذين أحسنوا منهم - للتبيين مثلها في قوله تعالى -: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً [الفتح: ٢٩]- لأن الذين استجابوا لله والرسول قد أحسنوا كلهم واتقوا لا بعضهم) (٥).

ووجه الدلالة من الآية: هو أن الله سبحانه وتعالى منح المستجيبين للرسول صلى الله عليه وسلم بعد غزوة أحد أجراً عظيماً ووصفهم بأنهم يتبعون رضوان الله، وهذا دليل صدقهم وإخلاصهم، ومن كان هذا حاله وجب تعديله.

٥ - قال تعالى: فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف: ١٥٧].

المعنى: أي الذين صدقوا بالنبي الأمي، وأقروا بنبوته وعزروه وعظموه وحموه، وأعانوه على أعداء الله وأعدائه بجهادهم ونصب الحرب لهم واتبعوا النور الذي أنزل معه وهو القرآن والوحي أولئك هم المفلحون في الدنيا والآخرة، المدركون ما طلبوا (٦).

ووجه الاستدلال: إن الله تعالى أثنى على الصحابة الكرام بنصرتهم لنبيه وتوقيرهم له ولاتباعهم القرآن والوحي فكانوا بذلك من المفلحين.


(١) ((تفسير القرطبي)) (٤/ ١٠٩).
(٢) ((تفسير الألوسي)) (٤/ ٢٧).
(٣) ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (١/ ٤٥٦).
(٤) ينظر: من كتب السير والتاريخ، ((سيرة ابن هشام)) (٣/ ١٤٨)، ((تاريخ الطبري)) (٢/ ٥٢٧)، ((مغازي الواقدي)) (١/ ٣٣٩)؛ وينظر: أيضاً: ((تفسير الطبري)) (٣/ ١٧٦)، ((تفسير الرازي)) (٩/ ١٠٠).
(٥) ((تفسير الزمخشري)) (١/ ٤٨٠).
(٦) ((تفسير الطبري)) (٩/ ٨٥)، ((تفسير القرطبي)) (٧/ ١٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>