للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو بكر بن العربي في صدد ذكره للغرض الذي خرجت له عائشة ومن معها من مكة إلى البصرة: (ويمكن أنهم خرجوا في جمع طوائف المسلمين وضم نشرهم وردهم إلى قانون واحد حتى لا يضطربوا فيقتتلوا وهذا هو الصحيح لا شيء سواه) (١).

وقال أبو الوليد بن رشد المالكي: بعد ذكره قوله تعالى: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات: ٩] الآية (فأرادت عائشة رضي الله عنها بقولها والله أعلم: ما رأيت ما ترك الناس في هذه الآية نسبة التقصير إلى من أمسك من الصحابة عن الدخول في الحرب التي وقعت بينهم واعتزالهم وكف عنهم ولم يكن مع بعضهم على بعض ورأت أن الأحظ لهم والواجب عليهم إنما كان أن يرموا الإصلاح بينهم) (٢)، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في صدد ذكره لبعض الأدلة التي تدل على أن عائشة رضي الله عنها ما خرجت إلا للإصلاح: (ويدل لذلك أن أحداً لم ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا علياً في الخلافة ولا دعوا إلى أحد منهم ليولوه الخلافة) (٣).

فأهل السنة والجماعة مجمعون على أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ما قصدت بخروجها إلى البصرة إلا الإصلاح بين بنيها رضي الله عنها وبهذا وردت أخبار منها:

(١) روى ابن جرير الطبري: (أن عثمان بن حنيف لما بلغه مجيء عائشة رضي الله عنها إلى البصرة أرسل إليها عمران بن حصين وأبا الأسود الدؤلي فقال لهما: انطلقا إلى هذه المرأة فاعلما علمها، وعلم من معها فخرجا فانتهيا إليها وإلى الناس وهم بالحفير فاستأذنا فأذنت لهما فسلما وقالا: إن أميرنا بعثنا إليك نسألك عن مسيرك فهل أنت مخبرتنا؟ فقالت: والله ما مثلي يسير بالأمر المكتوم ولا يغطي لبنيه الخبر إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدثوا فيه الأحداث وآووا فيه المحدثين واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله، مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر فاستحلوا الدم الحرام، فسفكوه وانتهبوا المال الحرام، وأحلوا البلد الحرام والشهر الحرام ومزقوا الأعراض والجلود وأقاموا في دار قوم كانوا كارهين لمقامهم ضارين مضرين غير نافعين ولا متقين لا يقدرون على امتناع ولا يأمنون فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما فيه الناس وراءنا وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا وقرأت لاَّ خَيْرَ في كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء: ١١٤]) (٤).


(١) ((العواصم من القواصم)) (ص: ١٥١).
(٢) ((البيان والتحصيل)) (١٦/ ٣٦٠).
(٣) ((فتح الباري)) (١٣/ ٥٦).
(٤) ((تاريخ الأمم والملوك)) (٤/ ٤٦١ - ٤٦٢)، ((الكامل في التاريخ)) (٣/ ٢١١)، ((البداية والنهاية)) (٧/ ٢٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>