للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(١١) روى ابن بطة وغيره من حديث أبي بدر، قال: حدثنا عبد الله بن زيد عن طلحة بن مصرف عن مصعب بن سعد عن سعد بن أبي وقاص قال: (الناس على ثلاث منازل، فمضت منزلتان، وبقيت واحدة، فأحسن ما أنتم عليه كائنون أن تكونوا بهذا المنزلة التي بقيت، ثم قرأ: لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا هؤلاء المهاجرون وهذه منزلة قد مضت، ثم قرأ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ في صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر: ٩]، ثم قال: هؤلاء الأنصار وهذه منزلة قد مضت، ثم قرأ: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر: ١٠]، فقد مضت هاتان وبقيت هذه المنزلة التي بقيت أن تستغفروا لهم) (١).

ولا يتردد من له أدنى علم في أن الشيعة الرافضة خارجون من هذه المنزلة لأنهم لم يترحموا على الصحابة ولم يستغفروا لهم بل سبوهم وحملوا لهم الغل في قلوبهم، فحرموا من تلك المنزلة التي يجب على المسلم أن يكون فيها ولا يحيد عنها بحال حتى يلقى ربه -جل وعلا-.

(١٢) وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى: (من يبغض أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كان في قلبه عليهم غل فليس له حق في فيء المسلمين، ثم تلا مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى [الحشر: ٧] حتى أتى على هذه الآية لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ [الحشر: ٨] وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ [الحشر: ٩] وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ إلى قوله رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر: ١٠]) (٢).

(١٣) وقال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله تعالى: (قوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يعني: التابعين إلى يوم القيامة.

قال الزجاج: والمعنى: ما أفاء الله على رسوله فلله وللرسول ولهؤلاء المسلمين وللذين يجيئون من بعدهم إلى يوم القيامة ما أقاموا على محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودليل هذا قوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ [الحشر: ١٠] أي: الذين جاءوا في حال قولهم رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا [الحشر: ١٠] فمن ترحم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن في قلبه غل لهم فله حظ من فيء المسلمين بنص الكتاب) (٣) اهـ.


(١) لم أقف على هذا الأثر في ((الإبانة الصغرى))، ولعله ذكره في ((الإبانة الكبرى)).
(٢) انظر قول مالك في ((أحكام القرآن)) لابن العربي (٤/ ١٧٧٨)، ((زاد المسير في علم التفسير)) (٨/ ٢١٦)، ((تفسير البغوي)) (٧/ ٥٤)، ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (١٨/ ٣٢)، وانظر: ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (٦/ ٦٠٩).
(٣) ((زاد المسير في علم التفسير)) (٨/ ٢١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>