للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحارثة هذا وردت بشارته بالجنة فيما صح من الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى الإمام أحمد بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نمت فرأيتني في الجنة فسمعت صوت قارئ يقرأ فقلت: من هذا؟ قالوا: حارثة بن النعمان، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذاك البر كذاك البر، وكان أبر الناس بأمه)) (١).

ورواه أبو عبد الله الحاكم بلفظ: ((دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة فقلت: من هذا؟ قالوا: حارثة بن النعمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلكم البر كذلكم البر)) (٢).

قال الطيبي في قوله صلى الله عليه وسلم: ((كذلكم البر كذلكم البر)): (المشار إليه ما سبق والمخاطبون الصحابة، فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم رأى هذه الرؤيا وقصها على أصحابه، فلما بلغ إلى قوله النعمان نبههم على سبب نيل تلك الدرجة بقوله ((كذلكم البر) أي: حارثة، نال تلك الدرجة بسبب البر وموقع هذه الجملة التذييل كقوله تعالى: وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ [النمل: ٣٤]، وفيه من المبالغة أنه جعل جزاء البر براً، وعرف الخبر بلام الجنس تنبيهاً على أن هذه الدرجة القصوى لا تنال إلا ببر الوالدين والتكرار للاستيعاب) (٣). اهـ.

(١٩) عبد الله بن سلام:

هو: عبد الله بن سلام بن الحارث أبو يوسف من ذرية يوسف بن يعقوب صلى الله عليه وسلم، كان حليفاً للأنصار، وهو أحد أحبار اليهود أسلم رضي الله عنه حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان اسمه في الجاهلية الحصين، فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، توفي بالمدينة في خلافة معاوية سنة ثلاث وأربعين.

أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة.

روى البخاري ومسلم في (صحيحيهما) من حديث سعد بن أبي وقاص قال: ((ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة، إلا لعبد الله بن سلام، قال: وفيه نزلت هذه الآية: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأحقاف: ١٠] الآية)) (٤).

ورويا أيضاً – عن قيس بن عباد، قال: ((كنت جالساً في مسجد المدينة، فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع، فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فصلى ركعتين تجوز فيهما، ثم خرج، وتبعته، فقلت إنك حين دخلت المسجد قالوا: هذا رجل من أهل الجنة، قال: والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم، وسأحدثك لم ذاك رأيت رؤيا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه، ورأيت كأني في روضة ذكر من سعتها وخضرتها وسطها عمود من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة فقيل له: ارقه، قلت: لا أستطيع فأتاني منصف فرفع ثيابي من خلفي فرقيت حتى كنت في أعلاها فأخذت العروة فقيل له: استمسك فاستيقظت وإنها لفي يدي، فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: تلك الروضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة عروة الوثقى، فأنت على الإسلام حتى تموت. وذاك الرجل عبد الله بن سلام)) (٥).


(١) رواه أحمد (٦/ ١٥١) (٢٥٢٢٣). قال شعيب الأرناؤوط محقق ((المسند)): إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين، وصححه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (١٥٥٥).
(٢) رواه الحاكم (٣/ ٢٢٩). وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال ابن حجر في ((الإصابة)) (١/ ٢٩٨): إسناده صحيح، وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (٩١٣): إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(٣) ذكره عنه المناوي في ((فيض القدير)) (٣/ ٥١٩).
(٤) رواه البخاري (٣٨١٢)، ومسلم (٢٤٨٣).
(٥) رواه البخاري (٣٨١٣)، ومسلم (٢٤٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>