للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد قال الإمام النووي: (أما تأخر علي رضي الله عنه عن البيعة فقد ذكره علي في هذا الحديث واعتذر إلى أبي بكر رضي الله عنه، ومع هذا فتأخره ليس بقادح في البيعة ولا فيه أما البيعة فقد اتفق العلماء على أنه لا يشترط لصحتها مبايعة كل الناس ولا كل أهل الحل والعقد وإنما يشترط مبايعة من تيسر إجماعهم من العلماء والرؤساء ووجوه الناس، وأما عدم القدح فيه فلأنه لا يجب على كل واحد أن يأتي إلى الإمام فيضع يده في يده ويبايعه وإنما يلزمه إذا عقد أهل الحل والعقد للإمام الانقياد له وأن لا يظهر خلافاً ولا يشق العصا وهكذا كان شأن علي رضي الله عنه في تلك المدة التي قبل بيعته فإنه لم يظهر على أبي بكر خلافاً ولا شق العصا ولكنه تأخر عن الحضور عنده للعذر المذكور في الحديث، ولم يكن انعقاد البيعة وانبرامها متوقفاً على حضوره فلم يجب عليه الحضور لذلك ولا لغيره فلما لم يجب لم يحضر وما نقل عنه قدح في البيعة ولا مخالفة ولكن بقي في نفسه عتب فتأخر حضوره إلى أن زال العتب وكان سبب العتب أنه مع وجاهته وفضيلته في نفسه في كل شيء وقربه من النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك رأى أنه لا يستبد بأمر إلا بمشورته وحضوره وكان عذر أبي بكر وعمر وسائر الصحابة واضحاً لأنهم رأوا المبادرة بالبيعة من أعظم مصالح المسلمين وخافوا من تأخيرها حصول خلاف ونزاع تترتب عليه مفاسد عظيمة ولهذا أخروا دفن النبي صلى الله عليه وسلم حتى عقدوا البيعة لكونها كانت أهم الأمور كيلا يقع نزاع في مدفنه أو كفنه أو غسله أو الصلاة عليه أو غير ذلك وليس لهم من يفصل الأمور فرأوا تقدم البيعة أهم الأشياء والله أعلم) (١).

وقال الحافظ ابن كثير معللا عدم استجابة الصديق رضي الله عنه لما طلبته فاطمة رضي الله عنها من الميراث حيث ظنت أن ما خلفه النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بين الورثة قال: (فلم يجبها إلى ذلك لأنه رأى أن حقاً عليه أن يقوم في جميع ما كان يتولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق البار الراشد التابع للحق رضي الله عنه فحصل لها – وهي امرأة من البشر ليست براجية العصمة – عتب وتغضب ولم تكلم الصديق حتى ماتت واحتاج علي أن يراعي خاطرها بعض الشيء، فلما ماتت بعد ستة أشهر من وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم رأى علي أن يجدد البيعة مع أبي بكر رضي الله عنه مع ما تقدم من البيعة قبل دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويزيد ذلك صحة قول موسى بن عقبة في مغازيه عن سعد بن إبراهيم: حدثني أبي (أن أباه عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر، وأن محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير، ثم خطب أبو بكر واعتذر إلى الناس وقال: ما كنت حريصاً على الإمارة يوماً ولا ليلة ولا سألتها في سر ولا علانية فقبل المهاجرون مقالته وقال علي والزبير: ما غضبنا إلا لأنا أخرنا عن المشورة وإنا نرى أن أبا بكر أحق الناس بها إنه لصاحب الغار وإنا لنعرف شرفه وخيره ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي بالناس وهو حي) (٢) إسناده جيد، ولله الحمد والمنة ومن تأمل ما ذكرناه ظهر له إجماع الصحابة – المهاجرين منهم والأنصار – على تقديم أبي بكر وظهر له برهان قوله عليه الصلاة والسلام: ((ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)) (٣).) (٤).


(١) ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (١٢/ ٧٧ - ٧٨).
(٢) رواه الحاكم (٣/ ٧٠)، والبيهقي (٨/ ١٥٢) (١٦٣٦٤). قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (٥/ ٢٨١): إسناده جيد.
(٣) رواه مسلم (٢٣٨٧). من حديث عائشة رضي الله عنه.
(٤) ((البداية والنهاية)) (٥/ ٢٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>