للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبيعة علي رضي الله عنه للصديق بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها محمول على أنها بيعة ثانية أزالت ما كان قد وقع من وحشة بسبب الكلام في الميراث ومنعه إياهم ذلك بالنص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ((لا نورث ما تركناه فهو صدقة)) (١) كما تقدم، ومن هذا يعلم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا حصل لهم بعض العتب على بعضهم فإنهم كانوا سريعي الرجوع عند مراجعة الحق وظهوره ولم يجعلوا للغل في قلوبهم سكناً بل كانت قلوبهم على قلب رجل واحد وحتى أم الحسنين رضي الله عنها رجعت عن عتبها على الصديق وعدلت عن مطالبته فيما أفاء الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مال فدك بعد أن أبان لها الحكم فيه كما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له: (أنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم) (٢) وهذا هو الصواب والمظنون بها واللائق بأمرها وسيادتها وعلمها ودينها رضي الله عنها (٣) ولم تطب نفس الإمام الأكبر والصديق الأعظم أبو بكر رضي الله عنه أن تبقى سيدة نساء العالمين عاتبة عليه بل ترضاها وتلاينها قبل موتها فرضيت – رضي الله عنها – على رغم أنف كل رافضي على وجه الأرض.

فقد روى الحافظ أبو بكر البيهقي بإسناده إلى إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: (لما مرضت فاطمة أتاها أبو بكر الصديق فاستأذن عليها فقال علي: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم! فأذنت له فدخل عليها يترضاها فقال: والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضات الله ومرضات رسوله ومرضاتكم أهل البيت ثم ترضاها حتى رضيت) (٤).

ففي هذا الأثر صفعة قوية للرافضة الذين فتحوا على أنفسهم شراً عريضاً وجهلا طويلا وأدخلوا أنفسهم فيما لا يعنيهم بسبب ما ذكر من هجران فاطمة رضي الله عنها لأبي بكر ولو تفهموا الأمور على ما هي عليه لعرفوا للصديق فضله، وقبلوا منه عذره الذي يجب على كل أحد قبوله، ولكنهم طائفة مخذولة وفرقة مرذولة يتمسكون بالمتشابه ويتركون الأمور المحكمة المقدرة عند أئمة الإسلام من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء المعتبرين في سائر الأعصار والأمصار رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين (٥).


(١) جزء من حديث رواه البخاري (٤٢٤٠)، ومسلم (١٧٥٩).
(٢) رواه أبو داود (٢٩٧٣)، وأحمد (١/ ٤) (١٤) واللفظ له، وأبو يعلى (١/ ٤٠) (٣٧)، والبيهقي (٦/ ٣٠٣) (١٢٥٢٦). من حديث أبي الطفيل رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (٤٩٧) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وأحمد شاكر في تحقيقه للمسند (١/ ٢٨)، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (٥/ ٧٦): إسناده حسن رجاله ثقات.
(٣) ((البداية والنهاية)) (٥/ ٣٢٥).
(٤) رواه البيهقي (٦/ ٣٠١) (١٢٥١٥). وقال: هذا مرسل حسن بإسناد صحيح، وقال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (٥/ ٢٥٢): إسناده جيد قوي، والظاهر أن الشعبي سمعه من علي أو ممن سمعه من علي، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (٦/ ٢٠٢): وهو وإن كان مرسلاً فإسناده إلى الشعبي صحيح.
(٥) انظر: ((البداية والنهاية)) (٥/ ٣٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>