للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن الصديق رضي الله عنه لم يقبل الإمامة حرصاً عليها ولا رغبة فيها وإنما قبلها تخوفاً من وقوع فتنة أكبر من تركه قبولها رضي الله عنه وأرضاه (١)، ولما بويع رضي الله عنه البيعة الثانية التي هي بيعة عامة الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس خطبة عامة حيث قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه بالذي هو أهله: (أما بعد: أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني. الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أزيح علته إن شاء الله. والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله) (٢).

وقوله رضي الله عنه: (قد وليت عليكم ولست بخيركم) من باب الهضم والتواضع إذ أنهم مجمعون على أنه أفضلهم وخيرهم رضي الله عنهم (٣).

ففي هذه الروايات المتقدمة بيان كيفية مبايعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بالخلافة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فقد انعقدت له الخلافة بعقد خيار هذه الأمة المحمدية وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار الذين هم بطانة رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين بهم صار للإسلام قوة وعزة وبهم قهر المشركون وبهم فتحت جزيرة العرب. فجمهور الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين بايعوا أبا بكر وأما كون عمر أو غيره سبق إلى البيعة ففي كل بيعة لابد من سابق (٤). عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم – ناصر بن علي عائض – ٢/ ٥٢١


(١) انظر: ((البداية والنهاية)) (٥/ ٣٢٢).
(٢) رواه معمر في ((الجامع)) (١٣١١)، وابن إسحق في ((السيرة لابن هشام)) (٢/ ٦٦١)، والطبري في ((تاريخ الرسل والملوك)) (٢/ ٢٣٨). من حديث أنس رضي الله عنه. قال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (٥/ ٢١٨): وهذا إسناد صحيح.
(٣) انظر: ((البداية والنهاية)) (٥/ ٢٨٠).
(٤) ((منهاج السنة)) (١/ ١٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>