للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الصفات المذكورة في هذه الآية الكريمة أول من تنطبق عليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وجيوشه من الصحابة الذين قاتلوا المرتدين فقد مدحهم الله بأكمل الصفات وأعلى المبرات ووجه دلالة الآية على خلافة الصديق أنه (كان في علم الله سبحانه وتعالى ما يكون بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ارتداد قوم فوعد سبحانه – ووعده صدق – أنه يأتي بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، فلما وجد ما كان في علمه في ارتداد من ارتد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد تصديق وعده بقيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه بقتالهم فجاهد بمن أطاعه من الصحابة من عصاه من الأعراب ولم يخف في الله لومة لائم حتى ظهر الحق وزهق الباطل وصار تصديق وعده بعد وفاة رسوله صلى الله عليه وسلم آية للعالمين ودلالة على صحة خلافة الصديق رضي الله عنه) (١) روى ابن جرير الطبري بإسناده إلى علي رضي الله عنه أنه قال في قوله: فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة: ٥٤] قال: (فسوف يأتي الله المرتدة في دورهم بقوم يحبهم ويحبونه بأبي بكر وأصحابه) (٢) وروى الحافظ أبو بكر البيهقي بإسناده إلى الحسن البصري رحمه الله أنه قال في قوله: مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة: ٥٤] قال: (هم الذين قاتلوا مع أبي بكر أهل الردة من العرب حتى رجعوا إلى الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ثم قال: وكذلك قال عكرمة وقتادة والضحاك، وروينا عن عبد الله بن الأهتم أنه قال لعمر بن عبد العزيز: (إن أبا بكر الصديق قام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا إلى سنته ومضى على سبيله فارتدت العرب، أو من ارتد منهم فعرضوا أن يقيموا الصلاة ولا يؤتوا الزكاة فأبى أن يقبل منهم إلا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قابلاً في حياته فانتزع السيوف من أغمادها وأوقد النيران في شعلها وركب بأهل حق الله أكتاف أهل الباطل حتى قررهم بالذي نفروا منه وأدخلهم من الباب الذي خرجوا منه حتى قبضه الله) (٣).

فدلت الآية السابقة على خلافة الصديق حيث حصل في خلافته ما نطقت به الآية من ارتداد الكثير من العرب عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وجاهدهم أبو بكر رضي الله عنه هو والصحابة الكرام رضي الله عنهم حتى رجعوا إلى الإسلام كما أخبر الله تعالى في الآية وهذا من الكائنات التي أخبر بها الرب – جل وعلا – قبل وقوعها.


(١) ((الاعتقاد)) للبيهقي (ص: ٣٤٤).
(٢) ((تفسير الطبري)) (٦/ ٢٨٥).
(٣) ((الاعتقاد)) (ص: ١٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>