للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٣) قال تعالى: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا في الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا [التوبة: ٤٠] ففي هذه الآية الكريمة جعل الله أبا بكر في مقابلة الصحابة أجمع حيث خاطبهم بأنهم إن لم يعينوا رسوله صلى الله عليه وسلم بالنفير معه للمقاتلة في سبيل الله فقد نصره بصاحبه أبي بكر رضي الله عنه وأيده بجنود من الملائكة ثم بين –تعالى- أنه ثاني اثنين – ثالثهما رب العالمين وهذه الميزة الشريفة والمنزلة العظيمة اعتبرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفاته العالية التي جعلته أحق الناس بالإمامة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا أفضل في الأمة المحمدية من أبي بكر الذي هو ثاني اثنين قال عليه الصلاة والسلام في شأنهما: ((ما ظنك باثنين الله ثالثهما)) (١).

قال أبو عبد الله القرطبي: (قال بعض العلماء في قوله تعالى: ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا في الْغَارِ ما يدل على أن الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه لأن الخليفة لا يكون أبداً إلا ثانياً وسمعت شيخنا أبا العباس أحمد بن عمر يقول: إنما استحق الصديق أن يقال له ثاني اثنين لقيامه بعد النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر كقيام النبي صلى الله عليه وسلم به أولا، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات ارتدت العرب كلها ولم يبق الإسلام إلا بالمدينة وجواثا فقام أبو بكر يدعو الناس إلى الإسلام ويقاتلهم على الدخول في الدين كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فاستحق من هذه الجهة أن يقال في حقه ثاني اثنين) (٢).

(٤) قال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ [التوبة: ١٠٠] الآية (ووجه دلالة الآية على أحقية الصديق بالإمامة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن الهجرة فعل شاق على النفس ومخالف للطبع فمن أقدم عليه أولا صار قدوة لغيره في هذه الطاعة وكان ذلك مقوياً لقلب الرسول عليه الصلاة والسلام وسبباً لزوال الوحشة عن خاطره وكذلك السبق في النصرة فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لما قدم المدينة فلا شك أن الذين سبقوا إلى النصرة والخدمة فازوا بمنصب عظيم وإذا ثبت هذا فإن أسبق الناس إلى الهجرة أبو بكر الصديق فإنه كان في خدمة المصطفى عليه الصلاة والسلام وكان مصاحباً له في كل مسكن وموضع فكان نصيبه من هذا المنصب أعلى من نصيب غيره وإذا ثبت هذا صار محكوماً عليه بأنه رضي الله عنه ورضي هو عن الله وذلك في أعلى الدرجات من الفضل، وإذا ثبت هذا وجب أن يكون إماماً حقاً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت هذه الآية من أدل الدلائل على فضل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وعلى صحة إمامتهما) (٣).

(٥) قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم في الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور: ٥٥].


(١) رواه البخاري (٤٦٦٣)، ومسلم (٢٣٨١). من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
(٢) ((الجامع لأحكام القرآن)) (٨/ ١٤٧ - ١٤٨).
(٣) انظر: ((التفسير الكبير)) للفخر الرازي (١٦/ ١٦٨ - ١٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>