للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلو قال قائل: إن قتل عمار كان بصفين (وهو مع علي والذين قتلوه مع معاوية وكان معه جماعة من الصحابة فكيف يجوز عليهم الدعاء إلى النار، فالجواب أنهم كانوا ظانين أنهم يدعون إلى الجنة وهم مجتهدون لا لوم عليهم في اتباع ظنونهم فالمراد بالدعاء إلى الجنة الدعاء إلى سببها وهو طاعة الإمام وكذلك كان عمار يدعوهم إلى طاعة علي وهو الإمام الواجب الطاعة إذ ذاك وكانوا هم يدعون إلى خلاف ذلك لكنهم معذورون للتأويل الذي ظهر لهم) (١).

قال الإمام النووي بعد قوله صلى الله عليه وسلم: ((بؤس ابن سمية تقتلك فئة باغية)) (٢) (قال العلماء: هذا الحديث حجة ظاهرة في أن علياً رضي الله عنه كان محقاً مصيباً والطائفة الأخرى بغاة لكنهم مجتهدون فلا إثم عليهم لذلك .. وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أوجه: منها: أن عماراً يموت قتيلاً وأنه يقتله مسلمون وأنهم بغاة، وأن الصحابة يقاتلون وأنهم يكونون فرقتين باغية وغيرها وكل هذا وقع مثل فلق الصبح صلى الله وسلم على رسوله الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) (٣).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى بعد ذكره لقوله صلى الله عليه وسلم: ((تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين تقتلها أولى الطائفتين بالحق)) (٤).

(وفي هذا وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ((تقتل عماراً الفئة الباغية)) (٥) دلالة واضحة أن علياً ومن معه كانوا على الحق وأن من قاتلهم كانوا مخطئين في تأويلهم) (٦).

(١٠) وروى أبو داود بإسناده إلى سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله الملك أو ملكه من يشاء)) (٧).

وعند الترمذي بلفظ: ((الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك)) (٨) وفي هذا الحديث إشارة إلى حقية خلافة علي رضي الله عنه حيث إن خلافته كانت آخر الثلاثين من مدة النبوة التي حددها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وبموجب هذا قال أهل العلم.

قال أبو عمر: (قال أحمد بن حنبل: حديث سفينة في الخلافة صحيح وإليه أذهب في الخلفاء) (٩).

وقد وصف الإمام أحمد رحمه الله تعالى قول من يقول بأن علياً رضي الله عنه ليس من الخلفاء بأنه سيء ورديء.

قال عبد الله بن أحمد رحمه الله تعالى: (قلت لأبي إن قوماً يقولون إنه ليس بخليفة قال: هذا قول سوء رديء فقال: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون له يا أمير المؤمنين أفنكذبهم وقد حج وقطع ورجم فيكون هذا إلا خليفة) (١٠).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في رسالة له في حديث سفينة: (وهو حديث مشهور من رواية حماد بن سلمة وعبد الوارث بن سعيد والعوام بن حوشب عن سعيد بن جهمان عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أهل السنن كأبي داود. وغيره واعتمد عليه الإمام أحمد وغيره في تقرير خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة وثبته أحمد واستدل به على من توقف في خلافة علي من أجل افتراق الناس عليه حتى قال أحمد: من لم يربع بعلي في الخلافة فهو أضل من حمار أهله ونهى عن مناكحته) (١١).

وقال شارح الطحاوية: (ونثبت الخلافة بعد عثمان لعلي رضي الله عنهما لما قتل عثمان وبايع الناس علياً صار إماماً حقاً واجب الطاعة وهو الخليفة في زمانه خلافة نبوة كما دل عليه حديث سفينة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله ملكه من يشاء)) (١٢).

فهذه النصوص المتقدم ذكرها كلها دالة على حقية خلافة علي رضي الله عنه وأنه رضي الله عنه أحق بالأمر وأولى بالحق من كل أحد بعد الثلاثة رضي الله عنهم جميعاً فيجب على كل مسلم أن يعتقد اعتقاداً جازماً أن علياً رضي الله عنه رابع الخلفاء الراشدين وأحد الأئمة المهديين. عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم – لناصر بن علي عائض –٢/ ٦٨١


(١) ((فتح الباري)) (١/ ٥٤٢).
(٢) رواه مسلم (٢٩١٥).
(٣) ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (١٨/ ٤٠ - ٤١).
(٤) رواه مسلم (١٠٦٤).
(٥) رواه مسلم (٢٩١٦).
(٦) ((فتح الباري)) (٦/ ٦١٩).
(٧) رواه أبو داود (٤٦٤٦)، والحاكم (٣/ ١٥٦)، والطبراني (٧/ ٨٤) (٦٤٥٩). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): حسن صحيح.
(٨) رواه الترمذي (٢٢٢٦)، وأحمد (٥/ ٢٢١) (٢١٩٧٨)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٥/ ٤٧) (٨١٥٥). قال الترمذي، وابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (١/ ١٤١): حسن، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(٩) ((جامع بيان العلم)) (٢/ ٣٥٢)، وانظر: ((السنة)) لعبد الله بن أحمد (ص: ٢٣٥).
(١٠) ((السنة)) لعبد الله بن الإمام أحمد (ص: ٢٣٥).
(١١) قال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (١/ ٢٠٠): (هذه الرسالة بالمكتبة الظاهرية بخطه في مسودته في (٨١/ ٢ - ٨٤/ ٢).اهـ.
(١٢) رواه أبو داود (٤٦٤٦)، والحاكم (٣/ ١٥٦)، والطبراني (٧/ ٨٤) (٦٤٥٩). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): حسن صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>