للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد قال رحمه الله: (واتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة عثمان بعد عمر وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة)) (١) فكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه آخر الخلفاء الراشدين المهديين، وقد اتفق عامة أهل السنة من العلماء والعباد والأمراء والأجناد على أن يقولوا: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي) (٢).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: (وكانت بيعة علي بالخلافة عقب قتل عثمان في أوائل ذي الحجة سنة خمس وثلاثين فبايعه المهاجرون والأنصار وكل من حضر وكتب بيعته إلى الآفاق فأذعنوا كلهم إلا معاوية في أهل الشام فكان بينهم بعد ما كان) (٣).

والذي نستفيده من هذه النقول المتقدمة للإجماع أن خلافة علي رضي الله عنه محل إجماع على حقيتها وصحتها في وقت زمنها وذلك بعد قتل عثمان رضي الله عنه حيث لم يبق على الأرض أحق بها منه رضي الله عنه فقد جاءته رضي الله عنه على قدر في وقتها ومحلها، وقد جاء في بعض هذه النقول للإجماع النص على مبايعة طلحة والزبير رضي الله عنهما لعلي رضي الله عنه وهذا فيه رد لبعض الروايات التي ذكرها بعض المؤرخين من أنهما بايعا مكرهين فقد جاء في بعض تلك الروايات أن طلحة رضي الله عنه قال: (بايعت واللج على قفي) (٤).

وقد رد العلامة ابن العربي على هذا بقوله: (اخترع هذا الحديث من أراد أن يجعل في (القفا) لغة (قفي) كما يجعل في (الهوى): (هوي) وتلك لغة هذيل لا قريش فكانت كذبه لم تدبر) (٥).

بل قد جاء في بعض الروايات أن طلحة رضي الله عنه كان أول من بايع علياً حتى قال حبيب بن ذؤيب: (بايع علياً يد شلاء لا يتم هذا الأمر) (٦) (وأهل الكوفة يقولون: أول من بايعه الأشتر) (٧).

وقد رد القاضي أبو بكر ابن العربي على قول القائل في طلحة (يد شلاء) بقوله: (أما قولهم: (يد شلاء) لو صح فلا متعلق لهم فيه فإن يداً شلت في وقاية رسول الله صلى الله عليه وسلم يتم لها كل أمر ويتوقى بها من كل مكروه وقد تم الأمر على وجهه ونفذ القدر بعد ذلك على حكمه وجهل المبتدع ذلك فاخترع ما هو حجة عليه) (٨).


(١) رواه أبو داود (٤٦٠٧)، والترمذي (٢٦٧٦)، وابن ماجه (٤٠)، وأحمد (٤/ ١٢٦) (١٧١٨٤)، والدارمي (١/ ٥٧) (٩٥)، والحاكم (١/ ١٧٤). من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح ليس له علة، ووافقه الذهبي، وقال ابن عبدالبر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (٢/ ١١٦٤): ثابت صحيح، وحسنه البغوي في ((شرح السنة)) (١/ ١٨١)، وابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (٤/ ١١٩) وقال: إسناده لا بأس به، وصححه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (٩/ ٥٨٢)، والعراقي في ((الباعث على الخلاص)) (١)، وابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (١/ ١٣٦) وقال: رجاله ثقات، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(٢) ((الوصية الكبرى)) (ص: ٣٣).
(٣) ((فتح الباري)) (٧/ ٧٢).
(٤) ((العواصم من القواصم)) لابن العربي (ص: ١٤٤)، وانظر: ((تاريخ الأمم والملوك)) (٤/ ٤٣١، ٤٣٥) و ((الكامل في التاريخ)) لابن الأثير (٣/ ١٩٣)، و ((البداية والنهاية)) (٧/ ٢٤٧).
(٥) ((العواصم من القواصم)) (ص: ١٤٤).
(٦) ((تاريخ الأمم والملوك)) (٤/ ٤٢٨)، ((الكامل)) لابن الأثير (٣/ ١٩١).
(٧) ((تاريخ الأمم والملوك)) (٤/ ٤٣٣)، ((البداية والنهاية)) (٧/ ٢٤٧).
(٨) ((العواصم من القواصم)) (ص: ١٤٤ - ١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>