للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الرد من ابن العربي على ما قيل في يد طلحة رضي الله عنه يستحق أن يكتب بماء الذهب لأنه لو كانت يد طلحة هي الأولى في البيعة لكانت أكثر بركة ونفعاً لأنها يد ذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين يوم أحد، أما يد الأشتر اللئيم فإنها كانت لا تزال رطبة من دم الإمام الشهيد المبشر بالجنة عثمان رضي الله عنه، فدعوى أن طلحة والزبير بايعا مكرهين دعوى غير صحيحة بل الثابت أنه لما قتل عثمان رضي الله عنه طلب جمهور الصحابة رضي الله عنهم من علي أن يتولى أمر المسلمين فكان يفر منهم في حيطان المدينة (١) وأيضاً: لما توفي عمر رضي الله عنه جعل الأمر شورى في ستة منهم طلحة والزبير واتفقوا على أن الأمر دائر بين عثمان وعلي فاتفقوا على تقديم عثمان وبعد استشهاده رضي الله عنه كان صاحب الحق هو علي رضي الله عنه.

وقد اعترض بعض الناس على الإجماع على خلافة علي رضي الله عنه وجوه:

(١) تخلف عنه من الصحابة جماعة منهم سعد بن أبي وقاص، ومحمد بن مسلمة وابن عمر وأسامة بن زيد وسواهم من نظرائهم (٢).

(٢) إنما بايعوه على أن يقتل قتلة عثمان (٣).

(٣) أن أهل الشام معاوية ومن معه لم يبايعوه بل قاتلوه.

وهذه الاعتراضات لا تأثير لها على الإجماع المذكور، ولا توجب معارضته وذلك أنها مردودة من وجوه:

الوجه الأول: (أن دعوى أن جماعة من الصحابة تخلفوا عن بيعته دعوى غير صحيحة إذ أن بيعته لم يتخلف عنها وأما نصرته فتخلف عنها قوم منهم من ذكر لأنها كانت مسألة اجتهادية فاجتهد كل واحد وأعمل نظره وأصاب قدره) (٤).

الوجه الثاني: (أن عقد الخلافة ونصب إمام واجب لابد منه، ووقف ذلك على حضور جميع الأمة واتفاقهم مستحيل أو متعذر فلا يجوز اشتراطه لإفضاء ذلك إلى انتفاء الواجب ووقوع الفساد اللازم من انتفائه) (٥).

الوجه الثالث: أن الإجماع حصل على بيعة أبي بكر بمبايعة الفاروق وأبي عبيدة ومن حضرهم من الأنصار مع غيبة علي وعثمان وغيرهما من الصحابة وكذلك حصل الإجماع على خلافة علي بمبايعة عمار ومن حضر من البدريين وغيرهم من الصحابة ولا يضر هذا الإجماع من غاب عن البيعة أو لم يبايعه من غيرهم رضي الله عنهم جميعاً.

قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: (والله ما كانت بيعة علي إلا كبيعة أبي بكر وعمر رضي الله عنهم) (٦).

الوجه الرابع: دعوى أنه إنما بويع على أن يقتل قتلة عثمان (هذا لا يصح في شرط البيعة. وإنما يبايعونه على الحكم بالحق وهو أن يحضر الطالب للدم، ويحضر المطلوب وتقع الدعوى ويكون الجواب وتقوم البينة ويقع الحكم) (٧) بعد ذلك.

الوجه الخامس: أن معاوية رضي الله عنه لم يقاتل علياً على الخلافة ولم ينكر إمامته وإنما كان يقاتل من أجل إقامة الحد الشرعي على الذين اشتركوا في قتل عثمان مع ظنه أنه مصيب في اجتهاده ولكنه كان مخطئاً في اجتهاده ذلك فله أجر الاجتهاد فقط.

قال عبد الملك الجويني: (ومعاوية وإن قاتل علياً فإنه لا ينكر إمامته ولا يدعيها لنفسه وإنما كان يطلب قتله عثمان رضي الله عنه ظاناً أنه مصيب ولكنه كان مخطئاً) (٨).


(١) انظر: ((تاريخ الأمم والملوك للطبري)) (٤/ ٤٣٢)، ((البداية والنهاية)) (٧/ ٢٤٦).
(٢) ((العواصم من القواصم)) (ص: ١٤٦ - ١٤٧).
(٣) ((العواصم من القواصم)) (ص: ١٤٥).
(٤) ((العواصم من القواصم)) (ص: ١٤٧)، وانظر كتاب ((التمهيد)) للباقلاني (ص: ٢٣٣ - ٢٣٤).
(٥) ((منهاج القاصدين في فضل الخلفاء الراشدين)) (ص: ٧٦ - ٧٧).
(٦) ((منهاج القاصدين في فضل الخلفاء الراشدين)) (ص: ٧٧).
(٧) ((العواصم من القواصم)) (ص: ١٤٥ - ١٤٦).
(٨) ((لمع الأدلة في عقيدة أهل السنة)) (ص: ١١٥) مخطوط نقلاً عن كتاب ((أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ)) (ص: ١١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>