للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فخلافة علي رضي الله عنه ثابتة بالنص والإجماع ولا تأثير لأي اعتراض يورد على الإجماع فيجب على كل مسلم أن يعتقد اعتقاداً جازماً أن علياً رضي الله عنه رابع الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين الذين أمرنا بالتمسك بسنتهم والاقتداء بهم وترتيبهم في الإمامة كترتيبهم في الفضل أولاً أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم أجمعين وهذا معتقد الفرقة الناجية من أهل السنة والجماعة فقد روى البيهقي بإسناده إلى الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أنه قال: (في الخلافة والتفضيل نبدأ بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم) (١) وروى أيضاً بإسناده إلى الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه قيل له: (كأنك تذهب إلى حديث سفينة قال: أذهب إلى حديث سفينة وإلى شيء آخر رأيت علياً في زمن أبي بكر وعمر وعثمان لم يتسم بأمير المؤمنين ولم يقم الجمع والحدود ثم رأيته بعد قتل عثمان قد فعل ذلك فعلمت أنه قد وجب له في ذلك الوقت ما لم يكن له قبل ذلك) (٢).

وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة رحمه الله تعالى: (خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولاهم بالخلافة أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين ثم علي بن أبي طالب رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين) (٣).

وقال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى: (ونثبت الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاً لأبي بكر الصديق رضي الله عنه تفضيلاً له وتقديماً على جميع الأمة ثم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم لعثمان رضي الله عنه، ثم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون) (٤).

وقال أبو بكر الباقلاني رحمه الله تعالى موضحاً الدليل على ترتيب الخلافة الراشدة: (والدليل على إثبات الإمامة للخلفاء الأربعة رضي الله عنهم على الترتيب الذي بيناه: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أعلام الدين ومصابيح أهل اليقين شاهدوا التنزيل وعرفوا التأويل، وشهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم خير القرون فقال: ((خير القرون قرني)) (٥). فلما قدموا هؤلاء الأربعة على غيرهم ورتبوهم على الترتيب المذكور علمنا أنهم رضي الله عنهم لم يقدموا أحداً تشهياً منهم، وإنما قدموا من قدموه لاعتقادهم كونه أفضل وأصلح للإمامة من غيره في وقت توليه. قال الشريف الأجل الإمام جمال الإسلام: ووقع لي أنا دليل من نص الكتاب في ترتيبهم على هذه الرتبة أنه لا يجوز أن يكون غير ذلك هو قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم في الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور: ٥٥]. ووعده حق. وخبره صدق لا يقع بخلاف مخبره فلابد من أن يتم ما وعدهم به، وأخبر أن يكون لهم، ولا يصح إلا على هذا الترتيب لأنه لو قدم علي عليه السلام لم تصر الخلافة فيها إلى أحد من الثلاثة لأن علياً عليه السلام مات بعد الثلاثة وكذلك لو قدم عثمان رضي الله عنه لم تصر الخلافة إلى أبي بكر وعمر لأن عثمان مات بعد موتهما، ولو قدم عمر لم تصر الخلافة إلى أبي بكر لأن عمر مات بعده والله تعالى أخبر ووعد أنها تصير إليهم فلم يصح أن تقع إلا على الوجه الذي وقعت ولله الحمد على الهداية والتوفيق) (٦).

فهذه الأقوال عن هؤلاء الأئمة كلها فيها البيان الشافي لعقيدة الفرقة الناجية في ترتيب الخلافة الراشدة كما علم مما تقدم في هذا المبحث من نقول للإجماع أن علياً رضي الله عنه رابع الخلفاء الراشدين باتفاق أهل الحل والعقد وأنه قد اتفق على بيعته عامة من حضر المدينة من البدريين والأنصار كاجتماع أهل السقيفة على بيعة أبي بكر رضي الله عنه وبناء على ما تقدم فإن الذي لا يسعه في عقيدة ترتيب الخلافة ما وسع الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة فإنه رافضي مقيت. عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم – لناصر بن علي عائض –٢/ ٦٨٨


(١) ((الاعتقاد)) (ص: ١٦٨ - ١٦٩).
(٢) ((الاعتقاد)) (ص: ١٦٨ - ١٦٩).
(٣) ((الاعتقاد)) (ص: ٣٧٥).
(٤) ((شرح العقيدة الطحاوية)) لابن أبي العز (ص: ٣١٠ - ٣٢٢)
(٥) رواه البخاري (٢٦٥٢)، ومسلم (٢٥٣٣). من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
(٦) ((الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به)) (ص: ٦٦ - ٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>