للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال المناوي بعد ذكره لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) (١) قال: (وكان ذلك فلما بويع له بعد أبيه وصار هو الإمام الحق مدة ستة أشهر تكملة للثلاثين سنة التي أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم إنها مدة الخلافة وبعدها يكون ملكاً عضوضاً) (٢).

ولما كان رضي الله عنه هو المبايع بالخلافة بعد أبيه وأنه الإمام الحق تلك المدة التي كانت مكملة لخلافة النبوة رأى أنه لابد من أن يكون أمره نافذاً على بلاد الشام التي كان الأمر فيها حينئذ لمعاوية رضي الله عنه فتوجه نحو بلاد الشام بكتائب كأمثال الجبال وبايعه منهم أربعون ألفاً على الموت فلما ترائى الجمعان علم أنه لا يغلب أحدهما حتى يقتل بعضها بعضاً واشترط على معاوية رضي الله عنه شروطاً التزمها، ووفى بها وعلى وفقها جرى الصلح بينهما وقد روى قصة الصلح بينهما الإمام البخاري رحمه الله تعالى في (صحيحه).

فقد روى بإسناده إلى الحسن البصري حيث قال: (استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها فقال له معاوية – وكان والله خير الرجلين -: أي عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس من لي بنسائهم، من لي بضيعتهم؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس – عبد الرحمن ابن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز – فقال: اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه فأتياه فدخلا عليه فتكلما وقالا له وطلبا إليه فقال لهما الحسن بن علي: إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك قال: فمن لي بهذا؟ قالا نحن لك به فما سألهما شيئاً إلا قالا: نحن لك به فصالحه فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول: ((إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) (٣).

وبقبوله الصلح مع معاوية حصل مصداق قوله صلى الله عليه وسلم فيه: (فكان كما قال: أصلح الله تعالى به بين أهل الشام وأهل العراق بعد الحروب الطويلة والواقعات المهولة) (٤).

وهذا الإصلاح الذي حصل بين فريقي الحسن بن علي ومعاوية رضي الله عنهما مما يحبه الرب -جل وعلا – ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو من أكبر مناقب الحسن رضي الله عنه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (وهذا الحديث يبين أن الإصلاح بين الطائفتين كان ممدوحاً يحبه الله ورسوله، وأن ما فعله الحسن من ذلك كان من أعظم فضائله ومناقبه التي أثنى بها عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان القتال واجباً أو مستحباً لم يثن النبي صلى الله عليه وسلم بترك واجب أو مستحب) (٥).

وقد ذكر ابن العربي أسباباً هيأت الحسن لقبول الصلح مع معاوية رضي الله عنه حيث قال: (وعمل الحسن بمقتضى حاله فإنه صالح حين استشرى الأمر عليه وكان ذلك بأسباب سماوية ومقادير أزلية ومواعيد من الصادق صادقة منها: ما رأى من تشتت آراء من معه.

ومنها: أنه طعن حين خرج إلى معاوية فسقط عن فرسه وداوى جرحه حتى برأ فعلم من ينافق عليه ولا يأمنه على نفسه.

ومنها: أنه رأى الخوارج أحاطوا بأطرافه، وعلم أنه إن اشتغل بحرب معاوية استولى الخوارج على البلاد، وإن اشتغل بالخوارج استولى عليه معاوية.


(١) رواه البخاري (٢٧٠٤).
(٢) ((فيض القدير)) (٢/ ٤٠٩).
(٣) رواه البخاري (٢٧٠٤).
(٤) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (٦/ ٣٧٦).
(٥) ((منهاج السنة)) (٢/ ٢٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>