للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: أنه تذكر وعد جده الصادق عند كل أحد صلى الله عليه وسلم في قوله: ((إن ابني هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) (١) وإنه لما سار الحسن إلى معاوية بالكتائب في أربعين ألفاً وقدم قيس بن سعد بعشرة آلاف قال عمرو بن العاص لمعاوية: إني أرى كتيبة لا تولي أولاها حتى تدبر أخراها فقال معاوية لعمرو: من لي بذراري المسلمين فقال أنا: فقال عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة: تلقاه فتقول له: الصلح فصالحه فنفذ الوعد الصادق في قوله: ((إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) (٢).).

وكان ذلك الصلح المبارك الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكون علي يد سبطه الحسن بن علي عام واحد وأربعين هجرية (فإنه نزل عن الخلافة لمعاوية في ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين وذلك كمال ثلاثين سنة من موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه توفى في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة وهذا من دلائل – نبوته – صلوات الله وسلامه عليه وسلم تسليماً، وقد مدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صنيعه هذا وهو تركه الدنيا الفانية ورغبته في الآخرة الباقية، وحقنه دماء هذه الأمة فنزل عن الخلافة وجعل الملك بيد معاوية حتى تجتمع الكلمة على أمير واحد) (٣) وتسليم الحسن الأمر لمعاوية يعتبر عقد بيعة منه له بالخلافة وكان ذلك في موضع يقال له: (مسكن) ولما نزل الحسن عن الخلافة لمعاوية بايعه (الأمراء من الجيشين واستقل بأعباء الأمة فسمي ذلك العام عام الجماعة لاجتماع الكلمة فيه على رجل واحد) (٤) ولاجتماع المسلمين بعد الفرقة وتفرغهم للحروب الخارجية والفتوح، ونشر دعوة الإسلام بعد أن عطل قتلة عثمان سيوف المسلمين عن هذه المهمة نحو خمس سنوات. (ولما تسلم معاوية البلاد ودخل الكوفة وخطب بها واجتمعت عليه الكلمة في سائر الأقاليم والآفاق وحصل على بيعته عامئذ الإجماع والاتفاق – رحل الحسن بن علي ومعه أخوه الحسين وبقية إخوتهم، وابن عمهم عبد الله بن جعفر من أرض العراق إلى أرض المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وجعل كلما مر بحي من شيعتهم يبكتونه على ما صنع من نزوله عن الأمر لمعاوية وهو في ذلك – هو البار الراشد الممدوح، وليس يجد في صدره حرجاً ولا تلوماً ولا ندماً، بل هو راض بذلك مستبشر به وإن كان قد ساء هذا خلقاً من ذويه وأهله وشيعتهم ولاسيما بعد ذلك بمدد، وهلم جراً والحق في ذلك اتباع السنة ومدحه فيما حقن به دماء الأمة، كما مدحه على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم في الحديث الصحيح ولله الحمد والمنة) (٥).

والحاصل مما تقدم أن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن خلافة الحسن بن علي كانت خلافة حقة وأنها جزء مكمل لخلافة النبوة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن مدتها ستكون ثلاثين سنة وكذلك كانت كما أخبر عليه الصلاة والسلام. عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم – ناصر بن علي عائض – ٢/ ٧٤٣


(١) رواه البخاري (٢٧٠٤).
(٢) ((أحكام القرآن)) لابن العربي (٤/ ١٧١٩ - ١٧٢٠).
(٣) ((البداية والنهاية)) (٨/ ١٨).
(٤) ((البداية والنهاية)) (٦/ ٢٥٠).
(٥) ((البداية والنهاية)) (٨/ ٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>