للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجيب: بأن أمهات المؤمنين أفضل من حيثية الزوجية لا من سائر الحيثيات (١).

وهذا الجواب ضعيف؛ إذ أنه يحصر أفضلية الأمهات في حيثية الزوجية، والأحسن أن يقال: إن الآية عامة في فضل أمهات المؤمنين على سائر النساء، لكن تخرج فاطمة من ذلك العموم بالأدلة التي تدل على فضلها وسيادتها لنساء هذه الأمة.

قال صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: ((أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة)) (٢).

وبناء على هذا يكون أولى القولين بالصواب القول الثاني، على أن الألوسي حاول التوفيق بين القولين فأجاد حيث قال: (لأن فضل الجماعة على الجماعة يكون غالباً لفضل كل منها) (٣).

وقد اجتهد المفسرون في استنباط العلة التي من أجلها فضلت نساء النبي صلى الله عليه وسلم على بقية النساء، فمن ذلك ما قاله الرازي: (كما أن محمداً ليس كأحد من الرجال ... كذلك قرابته اللاتي يشرفن به، وبين الزوجين نوع من الكفاءة) (٤).

ويشهد لكلام الرازي تصدير آيات التخيير بلفظ الزوجية.

أما الطاهر ابن عاشور فله رأي آخر: (وسبب ذلك أنهن اتصلن بالنبي صلى الله عليه وسلم اتصالاً أقرب من كل اتصال، وصرن أنيساته، ملازمات شؤونه فيختصصن باطلاع ما لم يطلع عليه غيرهن من أحواله وخلقه ... ويتخلقن بخلقه أكثر مما يقتبس منه غيرهن؛ ولأن إقباله عليهن إقبال خاص، ألا ترى إلى قوله: ((حبب إلي من دنياكم ... ))) (٥).

ولا مانع من صحة التعليلين، بل ويمكن أن يضاف إليها ما اتصفن به من صفات التقوى والإيمان وما تميزن به من تلقي تربية النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من بقية النساء.

الفضيلة التاسعة: الوعد بقبول العمل:

قال تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب: ٣٣].

يقول الألوسي: (والآية متضمنة الوعد منه تعالى لأهل بيت نبيه بأنهم إن ينتهوا عما ينهى عنه، ويأتمروا بما يأمرهم به؛ يذهب عنهم لا محالة مبادئ ما يستهجن، ويحليهم أجل تحلية بما يستحسن، وفيه إيماء إلى قبول أعمالهم وترتب الآثار الجميلة عليها قطعاً، ويكون هذا خصوصية لهم ومزية على من عداهم، من حيث إن أولئك الأغيار إذا انتهوا وائتمروا لا يقطع لهم بحصول ذلك) (٦).

ويشهد لقوله رحمه الله التعبير القرآني حيث أكد التطهير بالمصدر؛ ليعلم أنه في أعلى مراتب التطهير، بل وذكره في سياق الامتنان؛ لإفادة العموم ليشمل جل مراتب التطهير (٧).

الفضيلة العاشرة: الاصطفاء الإلهي:

قال تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا [الأحزاب: ٣٤].

لقد فطن المفسرون للحكمة من ختم الآية بهذين الاسمين الكريمين، إذ أن من المعلوم عند أهل العلم بالتفسير وثاقة الصلة بين الآية وما تختم به من أسماء كريمة (٨).

إن ختم الآية بذكر الخبير لها دلالتها الواضحة على أن الله تعالى اختار لنبيه أزواجاً هن خير الأزواج، حيث اصطفى له سبحانه خير نساء العالمين.

وكفى بذلك شرفاً وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ [القصص: ٦٨]، وقد لحظ هذا المعنى أهل التفسير.

قال الزمخشري تعليقاً على قوله تعالى: خَبِيرًا: (أي علم من يصلح لنبوته ومن يصلح لأن يكونوا أهل بيته) (٩).


(١) ((روح المعاني)) (٢٢/ ٤).
(٢) رواه البخاري (٣٦٢٣). من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٣) ((روح المعاني)) (٢٢/ ٥).
(٤) ((مفاتيح الغيب)) (٢٥/ ١٨٠).
(٥) ((التحرير والتنوير)) (٢٢/ ٧).
(٦) ((روح المعاني)) (٢٢/ ١٩).
(٧) ((جواهر العقدين)) (١/ ٢٣ - ٢٤).
(٨) ((القواعد الحسان)) (ص: ٥١).
(٩) ((الكشاف)) (٣/ ٢٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>